من الجبل إلى عكار، الصهر يُلهب الشارع.


لبنان 9 أيار, 2022

كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:

الاحتقان السياسيّ الّذي يعيشه الشارع اللّبنانيّ ليس فقط وليد هذه المرحلة الدقيقة في ظلّ اقتراب لبنان من الاستحقاق الانتخابيّ، بل هو نتيجة تراكمات تاريخيّة حتّى قبل ولادة لبنان الكبير. عجلة التطورات السياسيّة اليوميّة تجعلنا نقف بحالة ترقّبٍ وحذر، فالهلع الّذي يصيب المواطن في كلّ يومٍ، يزيد من نقمة ذاك الأخير على سياسة وقرارات الأطراف السياسيّة.

إذا عُدنا بالذاكرة لسنواتٍ قليلةٍ منصرمة وبعيداً عن فترة الانتخابات، نسترجع شرارة مواجهةٍ كانت أودت بنا إلى حربٍ أهليّة لولا احتوائها. فزيارة وزير الخارجيّة آنذاك جبران باسيل بصفته رئيس التيار الوطنيّ الحرّ إلى الجبل أعادت مشاهد دمويّة إلى الشارع اللّبنانيّ ذهب ضحيّتها ثلاث ضحايا. نقمة الجزء الأكبر من الشارع الدرزي على زيارة باسيل أدّت يومها إلى أحداث قبرشمون الّتي لا تزال تحقيقاتها من 30 حزيران 2019 لغاية اليوم عالقةً في المحاكم.

أمّا الأسبوع الفائت فقد تكرر مشهد الاعتراض نفسه، لكنّ بسناريو مغاير؛ نفس البطل ونفس النقمة لكن أحداث هذه المرّة أقل ضرراً وغير مرتبطة لا بطائفة ولا بتاريخ بل بشخصٍ واحد. فشرارة المواجهة انتقلت من قبرشمون في عاليه إلى مدخل بلدة رحبة في عكّار، وترافق اعتراض أهل الشمال على زيارة باسيل الانتخابيّة مع قطع الطريق الرئيسيّ بالحجارة والحديد وبراميل النفايات بالإضافة إلى إحراق صورته وتهديدات مباشرة من أهالي المنطقة.

في إطار هذا الموضوع تواصل “هنا لبنان” مع مدير “المركز الجيوسياسي للشرق الأوسط” ومنسّق عام “التجمّع من أجل السيادة”، عضو الأمانة العامة في 14 آذار الصحافي نوفل ضوّ الّذي اعتبر أنّ زيارة جبران باسيل بحدّ نفسها ليست استفزازية كونها قائمة من ضمن الحملات الانتخابيّة للأحزاب السياسيّة، لكن مواقفه هي التي تشكّل استفزازاً للمواطنين. الخلاف الأساسيّ في هذه الزيارة يقع بين أولاد المنطقة الذين خسروا عائلاتهم وأقربائهم وأصدقائهم وهذه الطبقة السياسية. فأبناء المنطقة بالإضافة إلى هذه الخسارة لديهم مشاكل اقتصادية واجتماعيّة وصحيّة ويعيشون دون بنى تحتيّة كالكهرباء والمياه …

أضاف ضوّ المشكلة ليست فقط بزيارة جبران باسيل، بل هي بزيارة أي سياسيّ إلى المنطقة فقبل يومين من زيارة باسيل تعرّض خصمه النائب هادي حبيش لاعتراض من الأهالي مثله مثال مرشحين آخرين بالمنطقة. الشارع اليوم يُظهر من خلال أرض الواقع رفضه للقادة السياسيين. وهذا الرفض الشعبويّ ينعكس على الشارع وهذا يظهر الاستفزاز بحدّ ذاته.

أمّا بموضوع تحميل مسؤولية الأحداث للقوى الأمنية، فاعتبر ضوّ أنّ القوى الأمنية لا يجب إدخالها بالمشاكل والخلافات السياسيّة، ولا يجب أن تأخذ طرفاً معيّناً. فبالنسبة لحادثة عكار يريد باسيل من القوى الأمنية قمع المتظاهرين والّذين قطعوا عليه الطريق بغية عدم وصوله؛ بالمقابل يريد المتظاهرون من القوى الأمنية منع باسيل من دخول البلدة. بكل أسفٍ الطبقة السياسية تستغل القوى الأمنية ولا تبالي بوضعهم المعيشيّ رغم كل حالات الاستنزاف الماديّ والمعنويّ التي تعيشه هذه الأخيرة وخاصةً رواتبهم الزهيدة التي لم تعد تؤمّن أبسط متطلّبات الحياة. معبّراً عن استغرابه للتصرّفات التي يقوم بها أهل السياسية عندما يريدون القيام بزيارة معيّنة، بمرافقة لواء من الجيش والقوى الأمنية.

الواقع السياسي ليس متشابهًا بين زيارة جبران باسيل لعكار وزيارته السابقة لقبرشمون في عاليه، فهناك بشكل عام حالة توتر بين الطبقة السياسية وبين الشعب. الأحداث اليوم في عكار ليس لها علاقة فقط بتوقيت الزيارة بل بطبيعة هذا التوتر السياسي بين الأفراد والسياسيين.

بطبيعة الحال انتقل في 2019 التوتر بين وليد جنبلاط وجبران باسيل وانعكس على أرض الواقع. ورفض العكاريين اليوم لرجال السياسة وللمنظومة الحاكمة انعكس أيضاً على الشارع. كل فريق سياسيّ يحاول الاستفادة من جميع الأحداث لمصالح انتخابيّة، لكن لا ضمانة لنتائج لهذا الاستثمار الانتخابي، فقد ينعكس عليه بشكل سلبيّ. أمّا بموضوع أحداث عكار تلميح باسيل حول تعليق مشاركة التيار الوطني الحرّ بالانتخابات اعتبر ضوّ أنّ نتائج هذا التلميح غير مضمونة. فتقييم هذا الموضوع دقيق جدّاً خصوصاً في هذه المرحلة التي بدأت تشهد صمتاً انتخابياً.

نحن في لبنان لا نعيش على حبل زمني محدود بالزمان والمكان، نحن نعيش حالة توتر سياسي وحالة صدامات سياسية بين الفرقاء السياسيين ومناصريهم على الأرض من جهة وبين الشعب المعارض الذي يرفض المنظومة السياسية أجمع من جهة أخرى.

النظام الديمقراطيّ لا سقف له سوى القانون، وحريّة الأفراد مصانة فيه. غير أنّ الشعب الّذي هو مصدر السلطات ينتفض اليوم على طبقة دمّرت أحلامه. فإلى أي مدى ستتقبّل هذه الطبقة رغبة الشعب بالتغيير؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us