إنّه الرابع من آب 2022…


4 آب, لبنان 4 آب, 2022

كتبت ريتا بريدي لـ “هنا لبنان”:

730 يوماً؛ 17،520 ساعة؛ 1،051،200 دقيقة مرّت على الساعة السادسة والسبع دقائق من ذاك اليوم المشؤوم منذ سنتَين. قد تكون أرقامًا قرأتموها، إلّا أنّها غصّات متكرّرة في قلوب مَن فقدوا أحبّاءهم في تلك اللّحظة، وأوجاع لا تنتهي لأولئك الذين شهِدوا وسمعوا وعاشوا مشاهد الرعب تلك، وتنهيدة حزينة في وجدان كلّ لبنانيّ.

وهل من كلامٍ يوفي وصف المشاعر التي تختلجنا عند تذكّرنا ذاك اليوم؟ حتّى الصمت خَجِلَ عن التعبير. في لحظةٍ شَعر العالم بأسرِهِ أمام انفجارٍ هائل بفظاعة تلك الصور والمشاهد الصادمة، إلّا أنّ المُحزِن يكمن في صمت العدالة وانعدام الحسّ البشريّ لدى مسؤولين وطننا الذين وعدونا بعدالة… ولا زلنا بالانتظار…

إنّه التاريخ الذي طُبِعَ على صفحات لبنان الحديث، وكأنّ اللّبنانيّ منذ ذلك اليوم دخل في صراع مع إنسانيّته وكيانه. إنّه التاريخ الذي شكّل في طيّاته تغييرًا كيانيًّا للبنان، تغييرًا وجوديًّا وديموغرافيًّا، فبات اللّبنانيّ يشعر وكأنّه غريب حتّى على أرض وطنِهِ. فكَم وقعَت على آذانِنا كلمات مثل “هالبلد مش إلنا بقى”، “ما في عيشة بهالبلد”، “مستقبل بلبنان ما في”، ففُتِحَت أبواب الهجرة من جديد بحثًا عن أملٍ بحياةٍ أفضل تليقُ بها أقلّه كرامة الانسان.

منذ الرابع من آب 2020، قرّر عددٌ كبير من اللّبنانيين ترك البلاد والذهاب إلى أيّ مكانٍ آخر للتفتيش عن لقمة العيش، والأمان، والاستقرار والمستقبل. كلّ الأمكِنَة باتت أفضل من لبنان! هذه هي الحقيقة المُرّة التي نرفض قولها ولكنّنا نجدها اليوم في كلّ بيتٍ لبنانيّ يودّع أبناءه، بغصّة الفراق ولكن بدعاء الحياة.

الكاتب إيلي زغيب من الذين قرروا سلوك طريق الهجرة بعد ذلك اليوم الحزين والأزمة الاقتصادية الفظيعة التي يعيشها الشعب يومياً، وفي حديثه لموقع “هنا لبنان” يحكي زغيب أنّه أخذ القرار بالهجرة من الوطن بعد سنوات عدة من العمل وتطوير الذات وللتقدّم نحو الأفضل، ومن المعروف أننا شعب يحبّ تطوير نفسه… ولكن عندما تدهور الوضع ووجد أن كل ما بناه تم هدمه ليبدأ من جديد، وفي المقابل كانت فرص العمل ضئيلة جداً والحياة باتت على شفير الانهيار، انعكس ذلك على حالته النفسية ما جعله يشعر بالتعب طيلة الوقت والانعزال في غرفته، لذا لم يجد أمامه إلّا باب الهجرة، وعلّق هنا بالقول: “لو ما فليت بلحظتها ما كنت بعرف شو أعمل قد ما اسودت الدني بوجي… متل كل الناس يلي تضررت”.

ويضيف زغيب، أنّه ترك بيته بطريقة سريعة، أخذ المال المتبقي معه وتوجه لدفع تذكرة السفر، وخلال أربعة أيّام كان في المطار لمغادرة لبنان.

وبعدها وصل إلى بلاد لا يعرفها، ولكن على الفور بدأ بالبحث عن عمل ليتمكن من الاستمرار.

في هذا الوقت كانت الصدمة عند أهله وخطيبته والأصدقاء الذين تفاجأوا جميعاً من قراره بالهجرة من لبنان، بعد مرحلة من اليأس والقهر.

أمّا مشوار المطار فكان بالنسبة له كرحلةٍ إلى الجبل في أواخر الصيف، مع الكثير من الضباب من حوله وعدم القدرة على الرؤية لما أمامه، وتوقف ليُعلّق: “صعبة كتير الفلة، الأصعب إنّو ما بدّي فل بس مجبور”.

– أخبرنا عن الرابع من آب أين كنت وماذا ترك فيك هذا اليوم؟

“خلال تلك الفترة الجميع يتذكر أننا كنا في حجرٍ صحي بسبب تفشي فيروس كورونا، إلّا أنّ يومي الثلاثاء والأربعاء تمّ السماح بالتنقل، ولا ندري بعد لماذا أو ما السبب وراء ذلك.

في الرابع من آب لم أتوجه إلى عملي ولا حتى زملائي في العمل، فجميعنا بقينا في المنازل، إلّا أنّ هناك عدداً كبيراً من الأشخاص الذين نعرفهم تأذوا وبشكلٍ كبير بسبب انفجار مرفأ بيروت، فمثلاً توفي صديق لي في ذلك اليوم، وكان من الصّعب جداً التواصل مع بعض الأصدقاء الذين يعيشون في منطقة الأشرفية وفي مار مخايل… وبقينا طيلة الوقت في رحلة من البحث، أي عندما نتأكد أنّ الشخص على قيد الحياة نبدأ بالبحث عن غيره”.

وأضاف: “هالنهار دمار؛ كان آخر نقطة أمل عندي ياها بهالبلد… حسيت قدّي حياتنا رخيصة عنجد وقدّي هالطبقة السياسية عايشة على الغيوم ونحنا عم نتمشى بين الشوك وهنّي عم يتفرجوا علينا! بهالنهار عرفت انّو إيّامي بلبنان معدودة”.

أمّا عن علاقته بوطنه بعد الهجرة، فيشير زغيب أنّ بالنسبة له علاقة المهاجر بِلبنان تُفهم عندما يسافر ويعيش في بلدٍ آخر، لبنان يبقى بيتي وأهلي، ومهما تغيّر في هذه الحياة وحتى لو قررت البقاء في الخارج، لا بديل عن سريري في منزلي اللبناني.

ويقول: “منركض تنفل ولمّا نوصل منصير نعمل المستحيل تنرجع زيارة… يلّي بالبلد بفكرو المهاجر مرتاح وعايش مبسوط، بس فكرة إنّو تكون آخر مرّة بزور البلد أو آخر مرّة بغمر عيلتي أو حدا منُّن وما إقدر شوفو أو إسمع صوتو مرّة تانية، بتدبح”.

إنّه الرابع من آب… يوم كُتب في تاريخ لبنان وسيبقى يوماً نتذكر فيه نتيجة الفساد واللامسؤولية عند بعض من يُقال عنهم مسؤولين، سيبقى الرابع من آب علامة فارقة في ذاكرة الشعب اللبناني الذي سيعي يوماً ضرورة وأهمية تغيير هذه الطبقة السياسية من جذورها.

وختم الكاتب إيلي زغيب بكلمة عن لبنان:

“أصحابي عم بيفلّوا، كل حدا عم بيروح بطريق،

مشوار المطار صار قريب،

رصيفو صار حافظني،

بنزل، بودِّع، بقعد عَ طرفو، ببكي وبفِل.

قدّيش صعبة نرجع نجتمع كلّنا بمطرح واحد، مطارحنا رح تشتقلنا،

صدى ضحكاتنا شويّ شويّ رح يخفّ،

أصواتنا اللّي كانت تعبّي الشارع، سكتت.

مشاوير السيارة، قعدات نصّ الليل،

السهرات للصبح، الخناقات، المقالب، الأغاني، الصّور اللّي انعادت عشرين مرّة لتظبط،

خلِص تاريخا وصارت ذكريات.

الوقت يلّي قضيناه سوا بيبقى أحلى ايّام حياتي،

افترقنا بس منضل لو قد ما بعدنا بالمسافة”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us