من يصون تعبهم؟ عيد العمال في وطن لا يكافئ من يُنتج

لبنان 1 أيار, 2025

في الأوّل من أيار، يحتفل العالم بعيد العمّال… أما في لبنان، فالاحتفال يأتي بطعم مرّ، في وطن تحوّل فيه العمل من حقّ إلى امتياز، ومن أداة للكرامة إلى صراع يوميّ للبقاء. في بلد تنهشه الأزمات، لا تُقرَع الطبول فرحًا بعيد من هم العمود الفقري للاقتصاد، بل تُقرَع أجراس الإنذار: من انهيار اجتماعي، وبطالة زاحفة، ومن دولة عاجزة أمام نزيف الكفاءات وهجرة الأيدي العاملة.

العامل اللبناني: بطل مهمّش

قبل الانهيار الاقتصادي الذي بدأ في أواخر عام 2019، لم تكن أحوال العمّال اللبنانيين مثالية، لكنها كانت على الأقل أكثر اتزانًا. اليوم، باتت هذه الفئة تعاني من تدنٍ غير مسبوق في المداخيل، وغياب شبه تام لأي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية والصحية. كثير من العمّال يعملون بلا عقود، بلا ضمان، بلا ضمانات، في بيئة قانونية رخوة تسمح بانتهاك حقوقهم، دون أن يرفّ للدولة جفن.

ووسط غياب النقابات الفاعلة – أو بالأحرى خضوع كثير منها لهيمنة سياسية – يُترك العامل اللبناني وحيدًا في مواجهة مؤسسات تغلّف الاستغلال تحت شعارات “المرونة الاقتصادية” و”الظروف الاستثنائية”.

جنوب لبنان: حين يصير العمل ضحية الحرب

هذا العام، لا يحتفل العمّال بالعيد في الجنوب، بل يحصون خسائرهم: مَن فقد مصدر رزقه بسبب القصف، من غادر متجره الذي انهار تحت الردم، من أُجبر على النزوح وترك وراءه سنوات من التعب. الحرب الأخيرة لم تقتل فقط البشر، بل قتلت أيضًا فرص العمل، وعلّقت حياة آلاف العمّال في مهب المجهول.

في الجنوب، عيد العمّال ليس مناسبة رمزية، بل تذكير حيّ بأنّ الأمن الاقتصادي مرتبط بالأمن الوطني. فعندما تُقصف المصانع، تُغتال فرص الإنتاج، وعندما يُهجّر المزارعون، تُدفن المواسم في الأرض قبل أن تُحصد.

القطاع غير المنظّم: الهشاشة الأكثر خطورة

في موازاة الأزمات السياسية والأمنية، يتضخم القطاع غير المنظّم في لبنان – ذاك الذي يضمّ العاملين من دون حماية قانونية أو اجتماعية. من عمال توصيل الطلبات، إلى البائعين الجوالين، إلى عمّال البناء والمياومين وغيرهم. تعاني هذه الفئة من أقصى درجات التهميش: أجور زهيدة، ساعات عمل طويلة، وغياب أيّ شبكة أمان في حال المرض أو الإصابة أو التوقّف القسري عن العمل.

قانون العمل اللبناني

المفارقة المؤلمة أنّ لبنان، رغم توقيعه على معظم اتفاقيات منظمة العمل الدولية، لا يملك قانونًا عصريًا متكاملًا ينصف العمّال. قانون العمل الحالي يعود إلى عام 1946، ويعاني من ثغرات كارثية. والأدهى أن وزارة العمل، في معظم الأحيان، تكتفي بلعب دور الوسيط بين العامل وربّ العمل دون أي سلطة حقيقية لفرض الحقوق.

الاقتصاد المختطف واحتكار السوق

في لبنان، لا يكفي أن تكون كفوءًا، أو أن تعمل بضمير، أو أن تنتج أكثر. ما يحدّد فرصك ليس مهاراتك، بل من تعرفه ومن يحميك. فالاقتصاد هنا مختطف بيد قوى تحتكر السوق، تفرض الأسعار، وتمنع المنافسة.

آراء: بين الأمل والخذلان

في هذا السياق، حاول بعض المسؤولين تذكير الناس بمعنى العيد.

فكتب وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار عبر حساب الوزارة على منصة “إكس”: “إلى العاملات والعمال الذين يجهدون بإرادة صلبة كل التقدير والاحترام. اليوم ليس فقط مناسبة للمعايدة والشكر لما يقدمونه من تفانٍ في خدمة الوطن والمجتمع، بل دعوة متجددة والتزام بالعمل على تحسين أوضاعهم وحماية حقوقهم، وهذا ما نسعى لتحقيقه.”

أما الرئيس سعد الحريري فكتب عبر حسابه الخاص: “بمناسبة الأول من أيار، تحية تقدير لكل عامل وعاملة في لبنان، وأتمنى أن يحل العيد المقبل وتكون فرص العمل قد ارتفعت، والرواتب والأجور قد تحسنت، والتقديمات الصحية والاجتماعية أصبحت أفضل بما يليق بكرامة وتضحيات عمال لبنان.”

أمّا النائب راجي السعد، فكتب بدوره عبر حسابه الخاص: “بالعمل وبالعمال نعيد بنيان لبنان واقتصاده…
#ينعاد_عليكم
#عيد_العمال”

عيد العمّال في لبنان… عيد لمن لا يُحتفل بهم

لبنان لا يحتاج إلى عيد للعمال بقدر ما يحتاج إلى عدالة لهم. هذه الفئة التي تمثل عماد الاقتصاد، العمود الفقري للمجتمع، تُترَك لقدرها. فالعمال يحتاجون إلى تشريعات تحميهم، إلى دولة تحترمهم، إلى نقابات تُقاتل من أجلهم لا بأسمائهم. يحتاجون إلى اقتصاد منتج لا ريعي، إلى مؤسسات عادلة لا فاسدة، وإلى أمل لا يُهاجر عند أول أزمة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us