التأثير الكارثي لارتفاع أسعار المحروقات على الاقتصاد والمعيشة  


كتبت فاتن الحاج حسن لـ “هنا لبنان”:

يواجه لبنان منذ أواخر عام 2019، أسوأ أزمةٍ اقتصاديّةٍ وماليّةِ ومعيشيّة، فاقمتها جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت عام 2020 وتدهور قيمة العملة الوطنيّة.
وتفاقمت الأزمة الماليّة خلال العام الماضي 2021، وانعكست بشكلٍ خطيرٍ على مختلف السلع والموادّ الغذائيّة والاستهلاكيّة والبضائع والخدمات، مع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار.
وقفز الرقم القياسي لأسعار الاستهلاك (التضخّم) على أساسٍ سنويٍّ في تشرين الثاني الماضي بنسبة 201 بالمئة، مقارنةً بالشهر نفسه من عام 2020، متأثّراً بارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكلٍ حادّ، وفق بياناتٍ صادرةٍ عن إدارة الإحصاء المركزي في كانون الأوّل الماضي.
وكان البنك الدولي قد ذكر، في تقريرٍ له في حزيران 2021، أنّ الأزمة الاقتصاديّة والماليّة في لبنان من المرجّح أن تصنّف كإحدى أشدّ ثلاث أزماتٍ على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وكشفت دراسة نشرت في أيلول الماضي، أعدّتها لجنة الأمم المتّحدة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لغربي آسيا “إسكوا”، عن تفاقم الفقر في لبنان إلى حدٍّ هائلٍ في غضون عامٍ واحدٍ فقط، مشيرةً إلى أنّه أصبح يطاول 74 بالمئة تقريباً من مجموع سكّان البلاد.
كما افتتح العام الجديد (2022) في لبنان، بارتفاعٍ كبيرٍ في أسعار المحروقات، في الوقت الذي يواصل فيه الدولار صعوده.
فخلال هذا العام، ارتفع سعر البنزين كما ارتفع سعر المازوت والفيول وكذلك سعر قارورة الغاز.
ويعود ارتفاع أسعار المحروقات محليّاً إلى رفع الدعم الحكومي عنها وإلى صعود أسعار النفط عالميّاً وبخاصّةٍ بعد اندلاع الحرب الروسيّة الأوكرانيّة ابتداءً من 24 شباط الفائت، وكذلك زيادة سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانيّة.
ويتمثّل تأثير رفع الدعم على القطاعات الإنتاجيّة والخدمات الأساسيّة المتبقّية في لبنان، فمن الإنترنت إلى المولّدات الكهربائيّة، وصولاً إلى النقل العامّ والمصانع المحليّة، كلّها قطاعات تتأثّر مصاريفها التشغيليّة وأسعار خدماتها ومنتجاتها، بكلفة المحروقات الجديدة.
فبالنسبة لقطاع الاتّصالات، فإنّ التكاليف التشغيليّة في هيئة أوجيرو سترتفع بشكلٍ ملحوظ، لأنّ كلّ الالتزامات مقابل خدماتٍ ترتبط بالمازوت ستصعد بنحو 5 مرّاتٍ بعد رفع الدعم، كما أنّ كلّ الاعتمادات المرصودة في الموازنة التي تخصّصها الحكومة لهيئة أوجيرو معدّة على أساس سعر صرف 1507.5 ليرات للدولار الواحد ولا تأخذ بالحسبان انهيار سعر صرف الليرة في السوق السوداء، الأمر الذي سيؤدّي إلى تعذّر القيام بأعمال الصيانة وفق هذه المستويات.
وبالنسبة إلى مولّدات الكهرباء، فما إن خفّض الدعم على المحروقات من 90 في المئة من الدولارات على أساس سعر صرف 1507،5 ليرات و10 في المئة من الدولارات يدفعها المستورد نقداً (أي على أساس سعر صرف السوق) إلى 3900 ليرةٍ للدولار الواحد، حتّى ارتفعت فاتورة المولّدات الخاصّة بشكلٍ غير مسبوق.
والمعضلة هنا تكمن في أنّ أصحاب المولّدات لا يمكنهم جباية فواتير تتجاوز الرواتب الشهريّة للمستهلكين، والمستهلك بدوره يجد نفسه مرغماً على التخلّي عن التيّار الكهربائي في حال لم يطرأ أيّ تعديلٍ على الأجور.
وفي ما خصّ إنتاج وتصدير الصناعات المحليّة، يحتلّ استخدام الفيول والمازوت بين 5 في المئة و45 في المئة من الكلفة التشغيليّة في المصانع، وتختلف النسبة حسب نوع الصناعة وتعدّد خطوط الإنتاج. وتالياً، فتأثير ارتفاع أسعار المحروقات بعد رفع الدعم سيكون متفاوتًا بين المصانع، إذ تعمل بعض المصانع الكبرى نحو 16 ساعةٍ يوميّاً، وفي ظلِّ التَّقنينِ القاسِي في إنتاجِ الكهرباءِ في مؤسّسةِ كهرباءِ لبنانَ، تكونُ بعضُ المصانعِ عُرضةً لارتفاعٍ أكبرَ في تكاليفِها، حسبَ ساعاتِ تشغيلِ مولّداتِها الخاصّةِ.
وكنتيجةٍ مباشرةٍ لذلكَ، فإنَّ أسعارَ السِّلعِ الغذائيّةِ وبعضِ الصّناعاتِ الخفيفةِ الّتي لا تحتاجُ للكثيرِ منَ الطّاقةِ سترتفعُ بينَ 5 في المئة و10 في المئة، أمّا الصناعات التي تحتاج إلى كميّةٍ أكبر من الفيول والمازوت فستزيد أسعارها بين 20 في المئة و25 في المئة.
مع العلم أنّ المصانع الغذائيّة تحتاج إلى أغلفةٍ للموادّ كلفتها سترتفع أيضاً جرّاء ارتفاع أسعار المحروقات، تضاف إلى ارتفاع الكلفة التشغيليّة في الصناعة.
من جهته، فقطاع المطاعم بدأ بالنزيف منذ بدء تدهور الليرة اللبنانيّة في السوق السوداء، ولاحقاً تأثّر بجائحة كورونا وبالإقفال العامّ، فأقفلت 30 في المئة من المطاعم في لبنان حينها، أمّا المطاعم التي بقيت حتّى الآن فلا تشكّل أكثر من 30 في المئة من المطاعم التي كانت موجودةً قبل انهيار الليرة.
وهناك خطر إقفال 50 في المئة من المطاعم الموجودة حاليّاً حتّى نهاية فصل الصيف.
وبالنسبة إلى تأثير رفع الدعم عن المحروقات على قطاع النقل العامّ، فإنّ التسعيرة تحدَّد بناءً لدراسة عناصر التكلفة، وتحدّد التعرفة مع وزارة الأشغال، علماً أنّ قطاع النقل البرّي حصل من رئيس الحكومة على موافقةٍ لدعمه، لكن في حال تراجعت الحكومة عن قرارها الذي لم يطبّق حتّى الآن فسنكون أمام واقعٍ مختلف.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us