مرق وما برق!


أخبار بارزة, خاص 23 حزيران, 2022

كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان” :

يسارر رئيس الجمهورية، الآفل عهده، اللبنانيين بـ “قرفه” وهم يساررونه بقرفهم منذ دخل بوابة قصر بعبدا، كمقيم جديد، قبل 6 سنوات إلّا نيّف، وله في ذلك أسباب تخصّه، وليس لتحسّسه معهم بما يخصهم، وما يخصهم ليس موضوعاً واحداً، بل كثير وصار مخجلاً ذكره، فكيف بتكراره.
بدأ الأمر ببدعة القوي في طائفته، لإلغاء المغزى الحقيقي للديموقراطية، بما هي المساواة بين من يؤهلهم الدستور ليكونوا في موقع الرئاسة، أي رئاسة، ثم تلا ذلك استناد ذاك القوي في طائفته، على ما زعم، إلى سلاح كان يراه، حتى عودته إلى لبنان، بعيد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، غير شرعي، ومعتدٍ على الدولة والقوانين، وفي خدمة إيران. لكن الغاية تبرر الوسيلة، وتجيز لصاحبها أن ينقلب على نفسه، بلا وجل ولا مواربة ليحتكر الترشح إلى الرئاسة، وقد أذل كرسيّها، وأهان الشرعية الدستورية بتعطيلها بالسلاح نفسه، للحيلولة دونها ودون النصاب النيابي المطلوب لانتخاب الرئيس.
هكذا وصل رئيس الجمهورية الـ 13 في لبنان، إلى قمة الشرعية بحماية اللاشرعية، وبدعم الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع، في إطار تسويتين بينه وبين كل منهما، غير مشرفتين، ديموقراطياً، لتنهي هذه الخطوة سنتين ونصف سنة من شغور كرسي الرئاسة منذ أيار 2014، يوم انتهاء ولاية ميشال سليمان، وتعطيل قوى 8 آذار الشهيرة التئام مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد.
فرض عون نفسه مرشحًا أوحد للمنصب، ما أدّى إلى انتخابه رئيسًا في الجلسة الانتخابية السادسة والأربعين، بعدما عطل، مستنداً إلى سلاح الحزب، ورهبته، الجلسات الـ45 السابقة، واتفقت وسائل الإعلام يومها على أن أبرز مهامه تشكيل حكومة جديدة تدفع باتجاه إعادة تحريك العجلة الاقتصادية في البلاد وإطلاق العمل في مرافق تأثرت كثيراً بفترة الجمود السابقة، وأنه سيواجه قضايا إقليمية ودولية على رأسها إعادة ترتيب علاقات لبنان مع دول الخليج، إلى جانب ملف التدخل العسكري الواسع لـ”حزب الله” في الحرب السورية.
كانت هذه تمنيات الداخل والخارج، ولو أرادت وسائل الإعلام رسم مشهد العهد يوم سيغادر رئيسه بعبدا، بعد أشهر محدودة، لبيّنت لوحة أزماته التي سيتركها وراءه، أن الوضع، قبل 6 سنوات، كان أفضل بكثير، وكان يؤشر إلى آمال كبيرة، وانفراجات اجتماعية مكللة بدعم عربي مجزٍ. والحال أن الفجوات تعمقت في كل اتجاه: أخاديد من العداء تجاه المحيط، ومطبات لا تنتهي لامتحان صبر المواطنين على الأزمات الاجتماعية، تُوّجت بشكل الودائع، وبتراقص قيمة الليرة تجاه الدولار، وتضخيم أسعار المواد الحياتية الأساسية، وتعزيز الإنتهازية التجارية، واستجداء الطاقة للإنارة والوقود، وبدل السؤال متى تُنعم الدولة على أبنائها بالنور صار التمنّي ألا يتعطل مولّد الحي.
يسجل للعهد أن زمنه أتاح ولادة تجارات جديدة، ليس أقلها انتعاش سوق الماء، التي بدأت قبله بحدود، وأكثرها جذباً للإنتباه تجارة ما زُعِم أنه دولار أميركي قديم ملغى وقيمته أرخص مما سمي جديداً. أمر كذبته واشنطن وسفيرتها، لكنه ظل ينطلي، لفترة، على كثيرين. فالحاجة أم الإختراع، والجوع يخترع حلوله، وهو يجعل الحية تعض بطنها، على ما كان يقول الأجداد.
بعد أشهر لا يتخطى عددها عدد أصابع اليد، يترك الرئيس قصر بعبدا وفاء لقسمه الدستوري، على الأقل، واحتراماً لوعد بذلك ردده في أكثر من حوار إعلامي، لكن عدم إجراء انتخابات رئاسية قبل انتهاء الولاية، وفق ما يدعو إليه البطريرك الراعي، لقطع الطريق على أي فراغ دستوري يقلق اللبنانيين أياً تكن ظروفه.
يوم 31 تشرين الأول المقبل، سيرى اللبنانيون أنّ ما كانوا عليه في اليوم نفسه من العام 2016 كان نعمة كبيرة مقارنة بما سيتركهم عليه “الرئيس القوي”، فهو، على قول محرّف من إعلان متلفز: مرق… وما برق!؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us