حرب المضارب


أخبار بارزة, خاص 21 تموز, 2022

كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان” :

في غارات “بني عون” على مضارب “بني سلامة”، من رأس بيروت، حيث المصرف المركزي، إلى الرابية، حيث سكن حاكمه رياض سلامة، سقط القضاء اللبناني مضرجاً بالهزل والتهريج، وهو ما لم يكن عليه، وبهذا الوضوح في تاريخ لبنان منذ الإستقلال. وكل قول بفساد في مؤسسة القضاء صار تافهاً أمام تحوله، الفج والواضح، إلى إقطاعات يتناتشها بنو “العشيرتين” على مرأى من “اللي يسوا ويللي ما يسواش” على قول المصريين.
كان الأغلب على الظن أن من لم يعش في أزقة حروب الميليشيات منزّه عن ممارساتها، وأرقى من أن يتبناها في زمن السلم ويمارسها، وأساسها عدم الخضوع للقانون، أو ليّ عنقه وممارسة الإدارة العامة استنسابياً، بما يخدم ولي الأمر ومصالحه وأهواءه، وتعنته في تجاهل الأصول القانونية تنفيذاً لأحقاده الشخصية.
وفي رواية من الأدب العربي، أن شيخ قبيلة أعجب بزوجة ضيف على المضرب، فأبعد زوجها في مهمة، لينفرد بها. وسار ليلاً إليها وكانت نائمة، وقبل أن يصل ارتطم بعمود الخيمة وأحدث صوتاً فأفاقت المرأة، وسألته عما يفعل فامتدح جمالها وأوضح أنه يبغي ودّها، فاشترطت عليه إيجاد جواب لسؤال، من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟
استمهل الشيخ يوماً، لينقل السؤال إلى حضور مجلسه، وكل من رد من الحضور كان رده على قدر فهمه وعلمه، فلم يقتنع برأي واحد منهم، وكان أحد الرجال المحنكين الدهاة موجوداً في المجلس، لكنه لم يقل شيئاً، وانصرف الجميع إلا هو.
فصاح الشيخ في وجهه: أنت ما جاوبت على سؤالي!
قال له الرجل: أردت أن أكلمك على انفراد! فأصل اللغز بيت من الشعر قاله أمير أهل الحديث وهو أبو سفيان الثوري، وبيت الشعر هو:
يا رجال العلم يا ملح البلد * من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟!
وأضاف الساهر: إن لم يخب ظني فإنك راودت امرأة عالية المقام والذكاء فأرادت أن تصدك ولا تفضحك، وأن تكسبك كأخ لها ولا تخسرك وتزيد إلى أعدائها وأعداء أهلها عدواً بحجمك ومقامك، وتحفظ بعلها إن غاب وإن حضر، وقد قالت لك ما قالت، وكأنها تريد أن تقول لك ولمن سمعك:
يا شيوخ العُرب يا ملح البلد * من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟
وأردف: إن الرجل من القبيلة إذا فسد أصلحه شيخ القبيلة كما يصلح الملحُ اللحم! فمن يصلح الشيخ إذا الشيخ فسد؟!
الجواب في بعبدا.
فالشيخ هنا هو من أقسم على دستور الوطن أن يحفظه، ويحفظ سيادة القانون، ويحترم الفصل بين السلطات، وفيها، ومنها، القضاء الذي هو ملح الدولة، فكيف تُرد له ملوحته إذا أفسدته السلطة السياسية وسخرته أداة لها، ترى رأيها وتماشي أحقادها؟
من يقرأ الشعر يعرف قول ابن التعاويذي، شاعر العراق في عصره:
إذا كان رب البيت بالدف ضاربا
فشيمة أهل البيت كلهم الرقص.
لذا، لا عتب إن تلطى وزراء ونواب خلف ابتداعات قانونية ودستورية هرباً من التحقيق في ملف جريمة تفجير المرفأ، وبعضهم ترشح في الانتخابات الأخيرة ليجدد حصانته النيابية المزعومة سنداً إلى تفسير ما لا يفسر بالقانون.
واليوم يدخل هذا الملف صفحة جديدة من التركيبات مع انتخاب أعضاء المحكمة العليا المختصة بالنواب والوزراء، فشيمة أهل البيت كلهم الرقص؟!!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us