باسيل يطلق النار على ميقاتي من بندقية السيد


كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

في سياق ردود الفعل على التطورات الميدانية في قطاع غزة، صدر التصريح الآتي: “تدفع فلسطين ثمن وحدة الإسرائيليين، وتدفع مضاعفاً ثمن انقسامهم. ما ذنبنا جميعاً لنكون فدية إنشاء إسرائيل، ونكون أيضاً ضحية انحلالها؟”
هل يعلم القارئ من هو صاحب هذا التصريح؟ لعله سيكون مساعداً في الإجابة أن نعلم أنّ التصريح يتحدث عن “انحلال” إسرائيل، وهو ما يشبه كلاماً للأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله أطلقه أخيراً في المقابلة المطولة التي أجراها معه غسان بن جدو على شاشة قناة “الميادين” فقال: “بالنسبة لي المشهد عندي، مشهد ناس ضّبت شنطها وذاهبة إلى المطارات والموانئ والمعابر الحدودية مع مصر ومع الأردن، هذا المنظر الذي في بالي، هذا كيان ليس له مستقبل”.
إذاً، في ذهن صاحب التصريح فكرة زوال إسرائيل، تماماً كما يفكر نصر الله الّذي يجسد الموقف الإيراني من ضرورة محو الكيان الإسرائيلي. إنّ صاحب التصريح ليس سوى النائب جبران باسيل. وهكذا وصل تماهي رئيس “التيار الوطني الحر” مع “حزب الله” إلى ذروته، وعلى الرغم من أنّ التيار نفسه هو الذي دعا بلسان مؤسسه الجنرال ميشال عون قبل عودته إلى لبنان عام 2005 إلى زوال “حزب الله”.
رب سائل عن سبب هذه الإطالة في متابعة سلوك التيار ومن ورائه العهد الملتحق كليًّا بخطاب “حزب الله” العام، في حين أنّ الموضوع المطروح للمناقشة حاليًّا، هو الهجوم غير المسبوق الذي شنّه باسيل على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قبل أيام، في وقت كان لبنان يحيي الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت؟
يقول المثل “لا دخان بلا نار”. وهذه النار، هي التي أوقدها في 3 تموز الماضي البيان الذي أصدره الرئيس ميقاتي بعد اجتماعه مع وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، والذي اعتبر فيه أنَّ “المُسيَّرات التي أطلقت في محيط المنطقة البحرية المتنازع عليها وما أثارته من ردود فعل عن جدوى هذه العملية …قد جرت خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي، خصوصاً وأن المفاوضات الجارية بمساعي من الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين قد بلغت مراحل متقدمة”. وقال البيان: “أكد الطرفان أن لبنان يجدّد دعمه مساعي الوسيط الأميركي للتوصّل إلى حل يحفظ كامل الحقوق اللبنانية بوضوح تام… وشدّدا على أنّ لبنان يعتبر أنّ أيّ عمل خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي الذي تجري المفاوضات في إطاره، غير مقبول ويعرّضه لمخاطر هو في غنى عنها”.
وقد صدر البيان بعد يوم واحد، أي في 2 تموز المنصرم، من تسيير “حزب الله” 4 مسيّرات غير متفجرة نحو حقل كاريش النفطي والغازي الذي يقع ضمن المياه الإقليمية الإسرائيلية المجاورة للحدود الجنوبية للبنان.
يقول متابعون لموقف “حزب الله” إنّ قيادته كانت “مستاءة جدًّا” من بيان ميقاتي وبو حبيب، لكن كان لا بدّ من التمهّل قليلاً قبل إطلاق الردّ. فهل جاء الرد من باسيل بعد مرور شهر تقريباً على واقعة المسيّرات؟
يجيب هؤلاء المتابعون على هذا السؤال بالقول أنّ “حزب الله”، وكي لا يقطع الجسور مع الرئاسة الثالثة، ولو في مرحلة حكومة تصريف الأعمال، وجد ضالته في حليفه “التيار الوطني الحر” الذي لطالما قدم خدمات مماثلة للحزب في مناسبات عدة منذ إبرام تفاهم مار مخايل في شباط 2006.
في موازاة ذلك، يبدو أنّ هناك أكثر من ملفّ يمثّل تقاطع المصالح بين نصر الله والرئيس ميشال عون في الشهور الأخيرة المتبقية من عمر العهد الحالي. وفي مقدمة هذه الملفات، تشكيل حكومة انتقالية تعكس نفوذ الحزب والعهد معاً في مرحلة قد تمتدّ فيها فترة عمل هذه الحكومة، في حال تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انتهاء ولاية عون. وقد كان نصر الله واضحاً في الحديث عن هذه الحكومة في سياق المقابلة المشار إليها آنفاً. فهو قال: “الحل يبدأ بتشكيل حكومة جادة ومسؤولة بانتخاب رئيس جمهورية، هذه الحكومة لاحقاً تُكمل أو بعد انتخاب رئيس الجمهورية تتشكّل حكومة، بتعبير آخر إذا أردنا حلاً حقيقياً هو في تشكيل حكومة وعدم انتظار انتخابات للرئيس، لكن إذا لم تتشكّل انتخاب رئيس لا يكفي، لا أحد يعد الناس ويقدّم لها أحلاماً وردية، الحل هو أن تشكَّل حكومة تتحمّل مسؤولية”.
وليس بعيداً عن حقل المصالح المشتركة بين حارة حريك وقصر بعبدا، ملف التجنيس الذي تصاعدت روائحه بعدما نشرت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية عن استعدادات رسمية لإصدار مرسوم تجنيس 4 آلاف شخص غير لبناني، (سوريين قريبين من الرئيس بشار الأسد). وعلى رغم النفي القاطع من رئاسة الجمهورية المتهمة بالدرجة الأولى بتدبير هذه الصفقة، فإن ذلك لا يحجب واقع الفرصة الأخيرة التي يوفرها وجود الرئيس عون في قصر بعبدا وهي فرصة لن تتكرر بعد رحيله. أما علاقة “حزب الله” بهذه الصفقة وإن بدت غير مرئية، إلا أنّها قائمة انطلاقاً من الحجم الهائل للتجنيس الذي ساعد “حزب الله” ومن ورائه إيران على تحقيقه لتغيير الديموغرافيا في سوريا بعد نشوب الحرب هناك عام 2011. وفي الوقت نفسه، يجب الأخذ بالاعتبار ما أشارت إليه صحيفة “ليبراسيون” من أن الـ 4 آلاف جواز سفر لبناني ستباع بسعر يتراوح ما بين 100 ألف و50 ألف يورو للوثيقة الواحدة، ما يعني أنّ عائدات الصفقة قد تصل إلى ما بين 300 و400 مليون يورو. فهل من داعٍ للتّساؤل حول موقف “حزب الله” من هذه الثروة الهائلة غير النفطية التي ستهبط على حليفه في قصر بعبدا؟
من يتابع النفي الذي أصدره ميقاتي لصفقة التجنيس، يتبيّن له أنّ رئيس الحكومة رمى الكرة في ملعب العهد عندما قال: “إنّ دولة الرئيس يؤكد أن هذا الموضوع ليس مجال بحث لديه على الإطلاق”. وهذا يعني أنّ ميقاتي لا يأخذ على عاتقه نفي أن لا يكون لشريكه في السلطة التنفيذية “مجال بحث” في إبرام هذه الصفقة التي ستكون “صفقة العمر” بالنسبة لعهد لم يعد لديه أية شرعية وطنية في إدارة زمام الأمور في وطن منكوب بكل ما للكلمة من معنى.
لم يعد ميقاتي، المسؤول المرغوب فيه عند الحليفيْن نصرالله وعون. من هنا انطلقت النيران من بندقية السيد نحو رئيس الحكومة. وكان دور باسيل هو فقط الضغط على الزناد!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us