هنا لبنان ميشال عون: حروبٌ إلى أبد الآبدين

أخبار بارزة, خاص 31 تشرين الأول, 2022

كتب ناشر “هنا لبنان” طارق كرم:

ينتهي اليوم عهد الرئيس ميشال عون. يعتبره البعض أفضل العهود. يعتبره البعض الآخر الأسوأ. ما من رماديّةٍ هنا، إمّا أبيض أو أسود.

إلا أنّ مسيرة عون لن تنتهي هنا. هي مرتبطة بأمرٍ واحد، هو حروبه. حياة عون السياسيّة غير مرتبطة، مثل آخرين، بصحّته، بل بالحروب التي يخوضها والتي سيكملها بعده صهره النائب جبران باسيل.
يعيش عون على الحروب. هكذا كان قائداً للواء الثامن في الجيش، ثمّ هكذا أصبح رئيساً للحكومة العسكريّة وقد خاض “حرب تحرير” محكوماً عليها بالهزيمة والدمار والموت والتهجير. أراد أن يكسر حافظ الأسد، تماماً كما يريد، مثلاً، رئيس فنزويلا كسر الولايات المتحدة الأميركيّة.
ثمّ كانت حرب الإلغاء ضدّ القوات اللبنانيّة، وشعارها توحيد البندقيّة، وهو يعرف مسبقاً أنّ البندقيّة لن تتوحّد، بل كانت ترسل الأسلحة إليه وإلى “القوات” من المصدر نفسه. وكانت نتيجة الحرب دماراً غير مسبوق لما كان يُسمّى “الشرقيّة” وقتل كثيرين وتفكّك عائلات بين شقيقٍ “عوني” وآخر “قوّاتي”. أمّا النتيجة السياسيّة لذلك كلّه فكان تعديل الدستور وسلب المسيحيّين بعضاً من صلاحيّات رئيسهم، ثمّ تسليم مفاصل الدولة كلّها إلى سوريا.
ارتفعت شعبيّة عون لأنّه حارب السوريّين، ثمّ اختار محاربة الميليشيا، ولكنّه، في الوقت عينه، كان يعتمد على مساعدة ميليشياتٍ أخرى في حربه ضدّ “القوات”. ومن المنفى، حارب عون سوريا، ثمّ هاجم حزب الله، ثمّ عاد بقرارٍ سوري وبموافقة الرئيس إميل لحود ليعقد تفاهماً مع حزب الله ويغطّي سلاحه.
انتقلت هنا حرب عون لتصبح ضدّ الحريريّة السياسيّة وضدّ قوى ١٤ آذار، في وقتٍ جمعه تحالفٌ مع “الحزب” و”أمل” وسليمان فرنجيّة وميشال المر، ومختلف رموز سوريا في لبنان. ورُفع شعار “أصفر أخضر ليموني، بدنا نسقّط الحكومة”، وكان الاعتصام الشهير الذي عطّل وسط بيروت وضرب الاقتصاد اللبناني.
لا تنتهي حربٌ لعون إلا لتبدأ أخرى. حين وقف نبيه بري في وجه ترشيحه بات الأخير رأس منظومة الفساد. وبعد أن اقترح بنفسه التجديد لحاكم مصرف لبنان أصبح الأخير سبب الانهيار. وحين فرط التفاهم مع “القوات” بات سمير جعجع مجرماً. وحين انتفض الشعب، حمّل المسؤوليّة للسفارات والـ NGOs.
حروبٌ وحروبٌ وحروب. موتٌ وانقسامٌ، مسيحي خصوصاً، وهجرة. رجلٌ لا يرتاح ولا يريح، وقد تتلمذ جبران باسيل على يديه. رجل حروبٍ أيضاً، ضدّ رياض سلامة وجوزيف عون وسهيل عبود وكلّ مارونيّ قويّ، حتى لو كان عونيّاً، فأقصى كثيرين وحجّم آخرين.

وفي الرابية كما في بعبدا، حروب عون لن تنتهي. وبعض الناس يصفّقون له، ويمدحونه، ويؤلّهونه. سمّاهم عون، ذات يومٍ، شعب لبنان العظيم. ما سمعناه في الأمس على لسان البعض يجعلنا نردّد “عظمة على عظمة”.