فدرالية بين هانوي وهونغ كونغ


أخبار بارزة, خاص 10 آذار, 2023

اليوم مع تحلل الدولة المركزية، وعجزها عن فرض القانون بالتساوي بين كل المناطق، وعقم النظام السياسي ومؤسساته الدستورية عن خلق دورة سياسية طبيعية، ومع شعور قسم كبير من اللبنانيين أنهم رهائن في بلدهم، باتت المطالبة بـ “فدرالية” غير طائفية “أسلس” و”ألطف” وحقاً من الحقوق الطبيعية لا يُراد به باطل.


كتب عمر موراني لـ “هنا لبنان”:

في آخر الثمانينات، وبعد محاضرة عن الفدرالية مدعّمة بخرائط ملونة شملت مساحة الجمهورية، خرج الأستاذ أنطوان نجم من القاعة وهو يأمل ربما أن يتحقق المشروع الفدرالي، أو أن يكرّس واقعاً مقونناً في خلال أعوام قليلة، وكان بين الحضور مسؤولون في “القوات” قبل أن تصير حزباً، وبينهم المحامي كريم بقرادوني الذي علّق على مسمع من المحاضر: “صرلي عشر سنين بشوف إستاذ أنطوان حامل هالملف. بيحكي فيه وبيمشي”.
يلقى الطرح الفدرالي “النظري” في مكان و”المفعّل” في مكان آخر، صدى لدى شرائح واسعة من المسيحيين التائقين إلى لبنان الصغير الآمن والمزدهر والمنفتح على الغرب. يتذكرّ المسيحيون الفدرالية في حقبات ضعفهم السياسي، ويتمسكون بلبنان كله، غير ناقص لبنانياً واحداً أو شبراً واحد على قول الشاعر الراحل سعيد عقل، في فترات قوتهم وإحكام قبضتهم على مفاصل الدولة.
لأنطوان نجم، أطال الله بعمره، طرحه، ولعضو المجلس السياسي لحزب الوطنيين الأحرار، المحامي الراحل موسى برنس طرحه للإتحاد الفدرالي ونشره للمرة الأولى بالفرنسية قبل نحو نصف قرن، يتكوّن اتحاد برنس من أربع مقاطعات هي جبل لبنان إضافة إلى زحلة وجزين، بيروت الكبرى، لبنان الشمالي، لبنان الجنوبي مع البقاع الغربي. لم يتبنَّ الحزب الشمعوني، في بداية الحرب، طرح برنس ولم يرفضه، لكن رئيس الجبهة اللبنانية كميل شمعون أبقى المشروع كورقة سياسية يشهرها بوجه خصومه متى لزم الأمر.
حتى كمال جنبلاط، تناول في محاضرة له العام 1956 بدار الندوة، بعنوان “لبنان في واقعه ومرتجاه” موضوع الفدرالية ورأى أن لبنان “كيان طبيعي وجغرافي حقيقي” وهو “يشكل اتحاداً فدرالياً واقعياً للقرى والأقاليم والتقاطيع الجغرافية الطبيعية” كما أنه وجد فعلاً ليكون بلد اللامركزية. وما لفتني أن مؤسس الكتائب الشيخ بيار الجميل وضع كتاباً (أو وُضِع له) بعنوان “لبنان واقعٌ ومُرتجى” وأن حزب “الصيغة الفريدة” نفسه أطلع من صفوفه الأولى من يدعو علانية، وبصوت عالٍ، إلى فدرالية أما الهامسون فأكثرية، وليس سرّاً أن حركة “لبناننا” التي أطلقها سامي أمين الجميل، في العام 2006 ضمت في صفوفها منظّرين للفدرالية والتعددية.
اليوم مع تحلل الدولة المركزية، وعجزها عن فرض القانون بالتساوي بين كل المناطق، وعقم النظام السياسي ومؤسساته الدستورية عن خلق دورة سياسية طبيعية، ومع شعور قسم كبير من اللبنانيين أنهم رهائن في بلدهم، باتت المطالبة بـ “فدرالية” غير طائفية “أسلس” و”ألطف” وحقاً من الحقوق الطبيعية لا يُراد به باطل. ولمن يمتلك حساسية تجاه التعددية الطائفية في لبنان نقدم له طبق فدرالية جديد من مكوّنين هما: مَن مع هانوي ومن مع هونغ كونغ إنطلاقاً من المعادلة التي طرحها وليد جنبلاط العام 2008 … أو بشكل فاقع من مع لبنان الممانع بإدارة المرشد الأعلى ومن مع لبنان الحب والخير والجمال والثقافة والموسيقى والبحر وتعددية المايوهات.
في الثمانينات ردد المير فاروق أبي اللمع مثل هذا الكلام أمام مرجع ممانع، وعاد من زيارته سالماً.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar