تيمور جنبلاط و”العيش في جلباب أبي”


أخبار بارزة, خاص 27 حزيران, 2023
تيمور جنبلاط

في مفهوم هذه الزعامة الجديدة القديمة يجب البقاء في الأرض كي يبقى الناس مهما إشتدت الصعاب. كذلك في مفهوم هذه الزعامة إتقان فن السلطة وعقد التحالفات على قاعدة بقاء الكيان.


كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

اكتملت الأحد الماضي عملية التسليم والتسلم في الزعامة الجنبلاطية التي تمتد جذورها في التاريخ اللبناني. وتسلم النائب تيمور جنبلاط آخر دفعة من هذه الزعامة والتي تمثلت برئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي الذي أسسه جده كمال جنبلاط في الخامس من كانون الثاني عام 1949، أي في العام نفسه الذي أبصر فيه وليد جنبلاط، النجل الاكبر والوحيد لمؤسس الاشتراكي، النور.
وإلى جانب الحزب، هناك العضوية في البرلمان ومن ثم الكتلة النيابية. أي أن الزعامة الجنبلاطية مثلثة الأعضاء من الجد إلى الابن وأخيراً الحفيد. ولا يمكن الحديث عن أي ضلع من دون سائر الأضلاع فقوة كمال جنبلاط منذ دخول المعترك السياسي في مستهل أعوام لبنان الاستقلال، كانت من داخل البرلمان، أي من داخل مؤسسات هذا البلد. وقد كتب الكثير عن رحلة الزعامة الجنبلاطية والتقائها عند القول أنها متصلة بالنظام اللبناني منذ زمن بعيد، بدءًا من مرحلة جبل لبنان الذي كان نواة هذا الكيان قبل أن تتّحد به سائر الأطراف في لبنان الكبير عام 1920، والتي كانت موزعة بين ولايتين عثمانيتيّن هما دمشق وعكا.
من رافق مسيرة المختارة منذ الاستقلال عام 1943، يتبيّن له أن الجنبلاطية ليست من طينة ثورية إنقلابية. فهي كانت ولا تزال، حريصة على التكوين الإقطاعي في القرون الغابرة، ثم على التكوين الطائفي الذي بدأ ثنائياً بين الموارنة والدروز قبل ان يتشعب تدريجياً ليضم سائر الطوائف المعروفة في لبنان حالياً، أي السنّة والشيعة وكل مكونات الطوائف المسيحية.
عندما وصل كمال جنبلاط في عهود عدة ليكون وزيراً للداخلية في لبنان، ظهر كم كان حريصاً على تطبيق القانون حتى على “الرفاق”، كما يقول الوزير السابق محسن دلول في حديث خاص مع “هنا لبنان”. ويروي في هذا المجال ما حصل في ستينات القرن الماضي عندما كانت الحركة الوطنية اللبنانية في ذروة فعاليتها إرتباطاً بالعمل الفلسطيني المسلح. وعندما قررت الحركة تنظيم تظاهرة حاشدة في بيروت تضامناً مع الفلسطينيين ، منحها وزير الداخلية، أي كمال جنبلاط إذناً، لكنه حدد لها مساراً ينطلق من ساحة البرير في غرب العاصمة، وينتهي على تخوم وسط بيروت في منطقة خندق الغميق، كي لا يصل المتظاهرون إلى قلب العاصمة التجاري. ويتذكر دلول أنه سأل جنبلاط: “ماذا لو اراد المتظاهرون المضي قدماً نحو قلب بيروت”، أجابه جنبلاط: “هناك أوامر صارمة لقوى الأمن الداخلي التي تواكب التظاهرة، بإطلاق النار على المتظاهرين”. ويخلص دلول إلى القول: “العبرة في هذه الواقعة أن زعيم الحركة الوطنية قرر أن يضع جانبًا هذه الزعامة لمصلحة الموقع الرسمي الذي يشغله”.
وهكذا تصرف كمال جنبلاط، على أساس أنه ابن الكيان اللبناني مهما جارت عليه الأيام، عندما غرق لبنان في آتون حرب أهلية عام 1975. وعندما شاءت لعبة الأمم ان يتم تلزيم لبنان لنظام حافظ الأسد كي يضبط السلاح الفلسطيني، بناء على مصالح أميركية وإسرائيلية على السواء، كان خيار كمال جنبلاط البقاء في الكيان ولو كان ذلك على حساب حياته. فهو عندما خيّر بين المنفى وبين البقاء لبنان، تبنى الخيار الثاني فكان ان أمر الأسد بتصفيته في عقر الجبل الدرزي عام 1977.
لم يتح الوقت لكمال جنبلاط أن يضع عباءة زعامة المختارة فوق كتفي نجله وليد. ويقول مؤرخون أن وليد جنبلاط، بعدما سقط والده قتيلاً، قد سمع من رسل هم على صلة وثيقة بالنظام السوري، أن عليه أن يختار بين المنفى او التعامل مع قاتل والده، فكان أن اختار البقاء في الوطن ولو كان الثمن هو الذهاب ليلتقي الديكتاتور السوري ليعقد معه صفقة تعاون كانت في عمقها عند الزعيم الجنبلاطي الشاب وقتذاك تقوم على نظرية “الوقوف على ضفة النهر في إنتظار مرور جثة القاتل”.
46 عاماً مضت وبقي وليد جنبلاط، ليس واقفاً على ضفة النهر فحسب، وإنما عمل كل ما بوسعه ليكون في قلب الصراع على لبنان الذي شهد ولا يزال أشرس مرحلة في تاريخه الحديث. وربما كان من مشيئة الأقدار، أن بقيَ وليد جنبلاط على قيد الحياة بعدما كان مستهدفاً مباشرة في حمأة الصراع الداخلي. وهو تمكن أن يكون لاعباً رئيسياً على مدى أكثر من أربعة عقود شهد فيها لبنان صعود مشاريع وهبوطها، هي أشبه بالترجيدايات اليونانية. ومن تواصل مع جنبلاط في الآونة الأخيرة لمس عنده ارتياحاً أنه لم يلق مصير والده كمال وجده فؤاد اللذيّن لم يبقيا على قيد الحياة ليتجاوزا الـ 60 من العمر. وها هو يستعد للاحتفال بعيد ميلاده الـ 74 في آب المقبل بعدما قام شخصياً بإلباس نجله تيمور عباءة الزعامة.
ماذا عن الزعيم الجنبلاطي الجديد؟ إنه زعيم جديد في زمن جديد. لكنه في الوقت نفسه، هو زعيم قديم يشبه القرون الغابرة. وفي مفهوم هذه الزعامة الجديدة القديمة يجب البقاء في الأرض كي يبقى الناس مهما إشتدت الصعاب. كذلك في مفهوم هذه الزعامة إتقان فن السلطة وعقد التحالفات على قاعدة بقاء الكيان. ووفق هذه الخلفية، يجب التفاؤل خيراً في مستقل لبنان. إن تيمور في هذا المعنى لبس “جلباب” وليد خلافاً لما ورد رواية إحسان عبد القدوس “لن أعيش في جلباب أبي”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us