البطريرك ساكو والعِراق: الحريَّة والمواطنة!


أخبار بارزة, خاص 27 تموز, 2023

يعتقِدُ كثيرون أنَّ ما يواجِهُه البطريرك الكاردينال ساكو عابرٌ، وقد يكونُ حتمًا عابِرًا في سياقِ الانتِصارِ الأكيدِ للحقّ ولَو بعد زمَن، لكن يجِب أن لا يغيبَ عن بالِ أيّ من المرجعيَّات الدّينيَّة والسِّياسيَّة، أنَّ حلف الأَقلِّيات وما يُلاقيه من استِدعاءِ الحِمايات، والالتِصاق بالدّيكتاتوريَّات هو خيارٌ مُدمِّر لا بُدَّ من التَّصدي لَهُ، والعِراقُ بُوصْلَة في هذا التصدِّي 


كتب زياد الصَّائِغ لـ”هنا لبنان”:

تواجِهُ الكنيسَةُ الكلدانيَّة منذ أشهُر في العِراق هَجمَةً تؤشِّرُ إلى بُعدٍ جيو-سياسيّ خطير. وَضعُ هذه الهجمة، التي كرَّسَها سَحبُ المرسوم الجمهوريّ الذي يُثَبِّتُ شرعيَّة البطريرك الكاردينال مار لويس رافائيل الأَوَّل ساكو على رأس الكنيسة الكلدانيَّة بحسب ما دَرَج العُرفُ العِراقيّ عليه تاريخيًا، وَضعُ هذه الهجمة في سياقٍ خِلافيّ على الصَّلاحيَّات حصرًا في إدارة الأَوقافِ أو مسائِل كنسيَّة أُخرى يبدو تبسيطًا في غيرِ مكانِه. القضيَّة الحقيقيَّة تتمثَّلُ في محاولة بعضِ القِوى المعروفَةِ الارتِباطَاتِ والتوجُّهات والأهداف، الانقِضاضَ على مسارٍ وطنيّ حُرّ مثَّلَهُ، ولم يزل، البطريرك الكاردينال ساكو. هذا المسارُ الوطنيّ الحُرّ رَفَض المُسَاوَمَة على هويَّة العِراق الوطنيَّة والعربيَّة، وانتفَضَ على خيار ضرب طموحات الشَّعب العِراقيّ بالحريَّة والسِّيادة والاستِقلال والكرامة والحوكمة السَّليمة، وانتَقَد بشِدَّة كُلِّ الاندِفاعات نحو شرعَنَة الميليشيات بخلفيَّات أيديولوجيَّة عسكريَّة أو قبول الفساد كحالة طبيعيَّة، وانحازَ للاعتِدال والعيش معًا في التعدُّدِيَّة، في مواجهة كُلِّ أنواعِ التَّطرُّف. البطريرك الكاردينال ساكو شكَّل في هذا نموذجًا حضارِيًا إيمانيًّا في النِّضالِ الصُّلب من أجلِ الأُخُوَّة الإنسانيَّة رؤيَةً وسُلوكًا في حين كان هُناك آخرون، ولم يَزَالوا، ممّن يسعون إلى تفتيتٍ منهجيّ لهويَّة العِراق الوطنيَّة والعربيَّة، ومنطِق الدَّولَةِ فيه.
قد يعتقِدُ كثيرون أنَّ ما يواجِهُه البطريرك الكاردينال ساكو عابرٌ، وقد يكونُ حتمًا عابِرًا في سياقِ الانتِصارِ الأكيدِ للحقّ ولَو بعد زمَن، لكن يجِب أن لا يغيبَ عن بالِ أيّ من المرجعيَّات الدّينيَّة والسِّياسيَّة، كما عن بالِ القِوى المجتمعيَّة الحيَّة في العِراق، ولبنان، بل في كُلِّ امتِداداتِ العالم العربيّ، أنَّ حلف الأَقلِّيات وما يُلاقيه من استِدعاء الحِمايات، والالتِصاق بالدّيكتاتوريَّات هو خيارٌ مُدمِّر لا بُدَّ من التَّصدي لَهُ، والعِراقُ بُوصْلَة في هذا التصدِّي، وإلَّا لما كانت زيارة البابا فرنسيس لَهُ مفصليَّة تاريخيَّة خصوصًا لجِهَة تأكيدِ البابا فرنسيس والسيّد السيستاني على ما ورد في وثيقَة الأُخُوَّة الإنسانيَّة التي وقَّعها مع شيخ الأَزهر في أبوظبي (2019)، أو لجهة لقائِه ممثِّلي الأديان في مدينة أور الأثريَّة. هذان اللِّقاءَان تمَّا بمعيَّة البطريرك الكاردينال ساكو، وقِراءَةُ نتائجهما الاستراتيجيَّة قد تكون أَزعَجَت من ارتبطوا برِهاناتٍ شموليَّة أَحاديَّة من دينيّين وزمنيّين على حدٍّ سواء.

 

 

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us