أسعار الاتصالات تلهب الجيوب… والتّحسينات رهن “تشاطُر” الماليّة


أسعار الاتصالات

هل سيمتدّ التّقشّف والتّقنين إلى الاتّصال والتّواصل، وما هي الضّرائب والزّيادات الجديدة الّتي ستخبئّها الموازنة العامّة؟


كتب إيلي صرّوف لـ”هنا لبنان”:

عقب جولاتٍ عنيفةٍ من المعارك القتاليّة، تَستسلم أجساد المتبارزين أمام جبروتِ الألم، فيهجرها الإحساس ويُخدّرها، لتتحوّل إلى مجرّد مجسّماتٍ تتلقّى الضّربات من كلّ حدبٍ وصوب. هذه الحالة تنسحب على معركة الشّعب اللّبناني مع المنظومة الحاكمة، الّتي نجحت في ترويض خصمها تحت وطأة الأزمات والشّدائد المتلاحقة، حتّى أضحى يأكل العُصيّ ويعُدّها من دون أن يُحرّك ساكنًا.

وفي آخر هذه الفصول، قرّرت السّلطة – التي غالبًا ما يجاهر أركانها بالاعتراض على فرض أيّ ضرائب أو رسوم إضافيّة على المواطنين – أن توجّه ضربةً جديدةً، تمثّلت بإقرار مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 3 آب 2023، مرسوم زيادة تعرفة الاتصالات الثّابتة والإنترنت من هيئة “أوجيرو” سبعة أضعاف. بذلك، ستصبح باقة الحدّ الأدنى للمشتركين عبر “أوجيرو” (80 غيغابايت) 420 ألف ليرة، ليصل سعر باقة الحدّ الأقصى (باقة مفتوحة سرعة ثابتة- Nx2Mbps – Dedicated Premium) إلى 7 ملايين ليرة.
الخطوة الأولى الجدّيّة في مسار النّهوض بقطاع الاتصالات المهدّد بالانهيار، بدأت في تمّوز 2022، مع احتساب تعرفة الاتصالات الخليويّة على سعر “صيرفة”، وتضاعُف تسعيرة إنترنت “أوجيرو” والخطّ الأرضي بنحو 2.5 مرّات.
غير أنّ الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدّولار في السّوق السّوداء بعد تلك الفترة من جهة، وعدم توافر الأموال لشراء مادّة المازوت للسنترالات، وعدم تغطية الإيرادات للنّفقات التّشغيليّة الّتي يُدفع الجزء الأكبر منها بالدّولار من جهة ثانية… عوامل حتّمت اتّخاذ إجراءات أخرى مواكبة تَرفد القطاع بالأوكسيجين للاستمرار.

في هذا الإطار، يؤكّد المدير العام لهيئة “أوجيرو” عماد كريديّة، في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّ “قرار مجلس الوزراء الأخير كان لا بدّ منه، ولكنّه لن يعطي المفاعيل المطلوبة، إذا لم تُقرّ الموازنة الّتي قدّمَتها وزارة الاتصالات وهيئة “أوجيرو” كما هي، لأنّنا لحظنا في الموازنة أنّ زيادة التّعرفة ستسمح لنا بتحسين نوعيّة الخدمات وإعادة العمل بمنظومة الصّيانة”.
ويشدّد على أنّه “إذا “تشاطرت” وزارة الماليّة وفضّلت أن يتمّ استخدام الفائض النّاتج عن رفع أسعار الاتصالات لتغذية العجز في أماكن أخرى، فستكون لدينا مشكلة حقيقيّة، ولن نتمكّن من القيام بالتّحسينات”، لافتًا إلى أنّه “لا شكّ أنّ المرسوم خطوةٌ إيجابيّةٌ، ويجب أن يقترن بالموافقة على موازنة وزارة الاتصالات لعامَي 2023 و2024”.

خلال الأشهر الماضية، شهدنا إضراباتٍ متكرّرة لموظّفي “أوجيرو”، للمطالبة بإعادة تقييم رواتبهم، وتبعها توقّفٌ تدريجيٌّ لسنترالات الهيئة ومحطّاتها. وقد شكّل قرار زيادة تعرفة الاتصالات والإنترنت الأخير، بارقة أملٍ للعاملين بتحسين أوضاعهم، إلّا أنّ كريديّة يوضح أنّ “زيادة التّعرفة لا علاقة بها برواتب الموظّفين، فالأخيرة تأتي على شكل مساهمةٍ مذكورةٍ بالموازنات العامّة، وبالتّالي لا علاقة مباشرةً لها برفع العائدات النّاتجة عن مضاعفة الأسعار”.

ويبيّن أنّ “رواتب موظّفي القطاع العام تُقَرّ إمّا بموجب مراسيم موقّتة من مجلس الوزراء، أو بموجب قوانين”، مركّزًا على أنّ “وزارة الماليّة يجب أن تعطي الموازنات المطلوبة لهيئة “أوجيرو”، لا سيّما تلك المتعلّقة بالصّيانة والتّشغيل، لأنّها تؤثّر على نوعيّة الخدمات المقدَّمة للمستهلكين”.

ويكشف أنّ “تطبيق مرسوم رفع التّعرفة سيبدأ مطلع شهر أيلول المقبل، وهو سيطال جميع المشتركين، كلٌّ بحسب الباقة الّتي يختارها”. وعن حجم الإيرادات المتوقّعة من زيادة الأسعار، يشير إلى أنّ “وفقًا لحساباتنا، يُفترض أن تصل الإيرادات إلى 13 ألف مليار ليرة لبنانيّة سنويًّا”.

يبقى السّؤال عن قدرة المشتركين على تحمّل الأسعار المرتفعة الجديدة، خصوصًا أنّ الاتصالات والإنترنت نزعت عنها ثوب “الكماليّات” وحجزت مكانًا متقدّمًا في لائحة أساسيّات الحياة اليوميّة والعمليّة. وهنا يشدّد كريديّة على أنّه “لا يمكن الإجابة عن هذا السّؤال، لكنّ رؤية طريقة عيش النّاس من حولنا، وتعامُلهم مع أسعار المحروقات والكهرباء واشتراكات المولّدات الخاصّة، تدفعنا للتّساؤل عمّا إذا كانوا يستطيعون تحمّل فواتير الإنترنت؛ الّتي سترتفع من دولار إلى 4 دولارات”.

اللّبنانيّون إذًا على موعدٍ مع أسعارٍ ناريّةٍ جديدةٍ متعلّقةٍ بالاتصالات والإنترنت، تنافس لهيب درجات الحرارة، بظلّ تكتيكٍ سلطويٍّ متجذّرٍ بالانقضاض على جيوب المواطنين لتغطية الفشل وسوء الإدارة، وغياب أيّ إجراءات إصلاحيّةٍ جدّيّةٍ كفيلةٍ بانتشال الوضع الاقتصادي من موته السّريري. فهل سيمتدّ التّقشّف والتّقنين إلى الاتّصال والتّواصل، وما هي الضّرائب والزّيادات الجديدة الّتي ستخبئّها الموازنة العامّة؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us