حادث الكحّالة.. تحقيقٌ حذر وقلقٌ من الاستنسابية


أخبار بارزة, خاص 21 آب, 2023
الكحالة

هناك من لا يصدّق إمكانية أن يخضع مسلّحو “حزب الله” للمساءلة والاستجواب، خصوصاً أولئك الذين بادروا إلى إطلاق النار وتسبّبوا بتأزم الوضع على الأرض


كتب يوسف دياب لـ”هنا لبنان”:

تتعامل الأجهزة الأمنية والقضائية بحذرٍ شديد حيال التحقيقات الأولية التي تجريها في حادثة الكحّالة، إذ لكلّ إجراء حساباته وتفسيراته، وهذا ما يبرر حالة الاعتراض لدى أهالي الكحّالة على استدعاء أربعة من أبنائهم إلى التحقيق، من دون أن يشمل هذا الإجراء مسلّحي “حزب الله” بدءاً بالمشتبه به بقتل الضحيّة فادي بجّاني.

من حقّ الدولة أن تفرض سلطتها وتتخذ الإجراءات التي تحمي سيادة القانون، هذا أمر يريده اللبنانيون جميعاً حتى لا يتكرر مشهد الكحّالة في مناطق أخرى، لكن من حق اللبنانيين عموماً وأهالي الكحّالة خصوصاً، أن يطالبوا بتحقيق دقيق وشفّاف وحيادي ونزيه يضع الأمور في نصابها ويتساوى فيه الجميع أمام العدالة، حتى تحدّد الدولة المسؤوليات تجاه ما حصل، من هنا يأتي الرفض بأن يتعاطى القضاء والضابطة العدلية باستنسابية بين طرفي الحادث، ما يرفع منسوب القلق من اعتماد نهج قضائي ـ أمني لا يوصل إلى الحقيقة.

التجارب السابقة تبرّر هذا القلق، وتعزز الإعتراض تحسّباً لأيّ قرار إنتقامي يطال “المعتدى عليهم” وفق توصيف أبناء الكحالة، فهؤلاء ما زالت ذاكرتهم حيّة بعد أحداث الطيونة وخلدة، التي طالت ملاحقاتها طرفاً واحداً، وأبقت مسلّحي “حزب الله” خارج المساءلة والمحاسبة، فهل تتكرر التجربة في الكحالة، ويبقى منطق القوة متفوقاً على قوّة المنطق؟.

ثمّة أسئلة مشروعة لها ما يبررها، طالما لن تتغيّر المفاهيم التي تميّز بين لبناني وآخر، هناك من لا يصدّق إمكانية أن يخضع مسلّحو “حزب الله” للمساءلة والاستجواب، خصوصاً أولئك الذين بادروا إلى إطلاق النار وتسبّبوا بتأزم الوضع على الأرض، رغم إعلان أكثر من جهة أنّ أربعة من عناصر الحزب خضعوا للتحقيق أمام مخابرات الجيش، وأنّ استدعاء أبناء الكحالة يأتي في إطار المعاملة بالمثل، ليتبيّن بعد ساعات أنّ التحقيق لم يشمل مسلّحي الحزب الذين ظهرت وجوههم على الأرض وكانوا مبادرين إلى إطلاق النار، ولا حتى استدعاء الشخص المشتبه به بقتل بجاني، والذي أقيم له استقبال شعبي حاشد في مسقط رأسه ونحرت له الخراف. ويؤكد مصدر أمني بارز لـ “هنا لبنان”، أنّ “الأجهزة الأمنية استمعت إلى أربعة أشخاص تابعين لـ”حزب الله” هم سائق الشاحنة التي انقلبت في الكحالة، وثلاثة آخرين كانوا على متن الرافعة التي حضرت لانتشال الشاحنة عن كوع الكحالة على أمل استكمال مسارها مع حمولتها”.

تدرك الدولة بكلّ أجهزتها حساسية الموقف، وتدرس خطواتها بدقّة باعتبار أنّ أيّ قرار متسرّع سيترك تداعيات على الأرض لا أحد يريدها، ولا تصبّ في خانة احتواء الوضع وتبريد الاحتقان، ويشير المصدر الأمني إلى أنّ “استدعاء أربعة من أبناء الكحالة، لا يعني أنّهم متهمون ولا مشتبه بهم، بل سيجري الاستماع إليهم كشهود”، مشدداً على أنّ “مخابرات الجيش أعطت تطمينات لأهالي الكحالة بأنّ الأشخاص المطلوبين للتحقيق مجرّد شهود، وهناك ضمانات بعدم توقيفهم أو الضغط عليهم ولا حتى استفزازهم أو انتزاع اعترافات منهم”، معتبراً أنّ “الاستدعاء جاء بإشارة من القضاء العسكري، لجمع المعلومات خصوصاً وأنّ حضورهم يسهّل التحقيق ويسمح باحتواء الموقف”.

وتسارعت في الساعات الماضية وتيرة الاتصالات، التي تبرّد الأجواء وتعطي طمأنينة للطرفين، ويقول المصدر الأمني “لقد استكملنا الإجراءات المادية، من جمع الأدلة وإجراء مسح ميداني شامل لموقع الحادث، ومعاينة طلقات الرصاص سواء التي قضى فيها فادي بجّاني أو أحمد قصاص، بالإضافة إلى مهمة الأدلة الجنائية”. ويلفت إلى أنّ مدير المخابرات في الجيش اللبناني (العميد قهوجي) يقوم بالاتصالات اللازمة لتسهيل عملية التحقيق وإشاعة الأجواء التي تطمئن أبناء الكحالة”. ويؤكد أنّ “التحقيق الأولي هو تدبير ضروري تنجزه مخابرات الجيش بناء لإشارة القضاء العسكري”.

ما بين محاولات الاحتواء ووقف تداعيات ليل الكحّالة الطويل، وبين ضرورة أن تأخذ العدالة مجراها ويحاسب المسؤولون عمّا حصل ونتائجه، تقف الدولة أمام امتحان جديد، إما تحفظ فيه بعضاً من ماء وجهها، وإما تكرّس عجزها واستسلامها لواقع يفرض حاله على كلّ اللبنانيين، وينذر بما هو أسوأ.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us