“التدقيق الجنائي”.. لا شفافية لأيّ تقرير ما لم يشمل الوزارات والإدارات الرسمية!


أخبار بارزة, خاص 22 آب, 2023

التقرير الذي صدر غير كافٍ سواء لناحية المعلومات التي لم تتوصّل إليها شركة التدقيق المخوّلة أو لناحية تغطية باقي مؤسّسات الدولة مثل الصناديق القائمة والوزارات المعنية ومؤسسات أخرى تابعة للدولة

كتبت كارول سلوم لـ “هنا لبنان”:

عندما أقرّت حكومة الرئيس حسان دياب في العام ٢٠٢٠ التدقيق الجنائي للحسابات المالية في مصرف لبنان، اعتُبر هذا القرار إنجازاً كبيراً وفق تأكيدات رئيس الجمهورية السابق ميشال عون. ومع أنّ عون كان يركّز في مواقفه على ضرورة أن يشمل هذا التدقيق الوزارات والإدارات الرسمية لكشف الهدر والسرقات المالية – والذي هو في الأصل مطلب إصلاحي دولي- لكنّ الحملة كانت مركزة على الحاكم رياض سلامة، فاقتضى التوجّه الرئاسي بالتركيز على حسابات المصرف فحسب!
وانشغل بعض الإعلام الموالي في ذلك الوقت بمتابعة القضية وتحديداً بالنسبة إلى حسابات المصرف دون الإضاءة إلى مزاريب الهدر والفساد في الكثير من الوزارات والإدارات.
وقد ظلّت المسألة قائمة وفق هذا المنوال، وإذا عدنا بالذاكرة فإنّ التوصية التي أقرّت في مجلس النواب في السابع والعشرين من تشرين الثاني من العام نفسه، كانت تنص على إخضاع مصرف لبنان للتدقيق الجنائي مع كلّ مرافق الدولة بحيث تخضع حسابات مصرف لبنان والوزارات والإدارات والمصالح المستقلة والمجالس والمؤسسات المالية والبلديات والصناديق كافة بالتوازي للتدقيق الجنائي دون أي عائق أو تذرع بالسرية المصرفية أو بخلافه.
وكانت رئاسة الجمهورية قد أحالت في نهاية الشهر نفسه نص هذه التوصية أو القرار إلى رئاسة مجلس الوزراء.

وفي هذا الإطار، تسأل أوساط مراقبة عبر “هنا لبنان” عمّا حلّ بهذا القرار الذي نُفِّذ منه القسم المتّصل بالمصرف المركزي وبادرت شركة “ألفاريز آند مارشال” القيام بأعمالها، وصدر بالتالي التقرير الأولي، فيما بقيت الوزارات وباقي المؤسسات من دون تدقيق أو حتى خطوات تصبّ في هذا السياق، فكم من وزارة محسوبة على هذا الفريق أو ذاك أساءت استخدام الإدارة الممنوحة لها وكم من الأموال صُرفت على معالجة أوضاع أو شؤون وزارية من دون أيّ منفعة عامة، وهذا ينطبق على وزارات تابعة لفريق التيار الوطني الحر الذي دعم التدقيق الجنائي وقاد المعركة لأجله!

وتشير الأوساط نفسها إلى أنّه كان من الأجدى أن يكون التدقيق شاملاً كما توصية المجلس النيابي، معتبرة أنها مسؤولية مشتركة من الحكومة والمجلس النيابي.
وترى أنّ معظم الأفرقاء الذين شاركوا في الحكم يخشون من هذه الخطوة الشاملة التي تكشف ما جرى داخل الوزارات والإدارات على مرّ السنوات، وبالتالي قد تكون هناك صعوبة في إجرائها وقد تبرز عوائق أساسية في هذا المجال، معلنةً أنّ الكلّ على دراية بالحملة التي قامت على الحاكم رياض سلامة والمصرف المركزي والتي دفعت إلى إبقاء التدقيق محصوراً بالمصرف فقط .

وفي حديث لـ “هنا لبنان”، يقول الوزير السابق آلان حكيم أنّ أهمية التدقيق الجنائي أو أي تدقيق في المطلق تكمن في تسوية الأمور وكشف كيفية إدارة الدولة اللبنانية، على صعيد المصرف المركزي الذي شكّل المكوّن الأوّل ومصدر التمويل للدولة.
ويرى حكيم أنّ هذا كلّه يجب أن يحصل قبل الإصلاح عموماً، والإصلاح على الصعيد المالي الذي يجب أن يأتي ضمن الإصلاح الشامل، والذي سيؤدّي حكماً إلى المحاسبة وتطبيق إجراءات تصحيحية ضمن إطار الإصلاح وتعديل مجرى الأمور الحالية، وهذا كلّه يقود إلى الشفافية والانتظام القانوني والحوكمة والإدارة الرشيدة، وهذا ما لم يكن قائماً من خلال تعاطي الدولة اللبنانية من الناحية المالية ككل.
ويضيف حكيم “لسوء الحظ أنّ هذا التدقيق اليوم يرتكز فقط على مصرف لبنان، فقد كان من المفترض أن يكون أكثر شمولية، والواضح من خلال التّدقيق الذي حصل أنّ طريقة الإنفاق لم تتضمّن معايير واضحة وكان هناك تقدير شخصي دون أي تدقيق من القيّمين”.
ويؤكد أنّه كان هناك “استعمال وترتيبات لبدع محاسبية لتهريب نفقات، ولا سيّما نفقات الحكومات المتعاقبة. ولذلك هناك مطالبة بالشمولية في المدة الزمنية لتغطية للعام ٢٠٢٣، معلناً أنّ التقرير الذي صدر غير كافٍ سواء لناحية المعلومات التي لم تتوصّل إليها شركة التدقيق المخوّلة أو لناحية تغطية باقي مؤسّسات الدولة مثل الصناديق القائمة والوزارات المعنية ومؤسسات أخرى تابعة للدولة مباشرة وغير مباشرة، كمجلس الإنماء والإعمار مثلاً، وذلك على صعيد الإنفاق، فكلّ مؤسّسة عمدت إلى الإنفاق أي الصرف ضمن إطار الدولة يجب أن يشملها التدقيق الجنائي لمعرفة أين ذهبت الأموال.

إلى ذلك، يرى الخبير الدستوري الأستاذ سعيد مالك في تصريح لـ “هنا لبنان” أنّ التدقيق الجنائي أمر مُلحّ ومهمّ جدًّا وضروريّ من أجل كشف النقاب عن مصير الأموال التي هُدرت وصُرفت وسُرقت من أموال الشعب اللبناني، والتقرير الّذي صدر أوّلي وبحاجة إلى استكمال وذلك عبر مواصلة التدقيق الجنائي في حساب الوزارات والإدارات والمؤسسات وكلّ ما يلزم في هذا الخصوص.

من الواضح أنّ انتقال التدقيق الجنائي من المصرف المركزي إلى وزارات وإدارات الدولة هو خطوة كبيرة، لكنّ السؤال الأساسي هو ما إذا كان هناك من سيبادر إليها بالفعل أم أنّ توصية المجلس النيابي ستبقى حبراً على ورق لأكثر من سبب؟َ!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar