“كراتين” الإعاشة


أخبار بارزة, خاص 10 نيسان, 2021

كتب عمر موراني لـ”هنا لبنان”:

غريب أمر البعض في لبنان، يلومون “الأحزاب” إن تقاعست عن أداء دورها الإجتماعي ومساندة الطبقات الفقيرة والوسطى، وإن جنّدت كل طاقاتها واتصالاتها المحلية والإغترابية لتوفير حدّ أدنى من الأمن الغذائي والصحي، تقوم القيامة، فيصبح، بنظر هذا “البعض”، صندوق الإعاشة رشوة إنتخابية ومناسبة لإطلاق النكات والتعليقات السخيفة والأحقاد المكبوتة. وما ينطبق على الأحزاب، يطاول شخصيات وجمعيات ونواباً.

صحيح أن هناك من يقدم على أعمال الخير بصفتها استثماراً أو دعاية شخصية، كمثل الذي أصرّ على تسليم “كراتين” الإعاشة في باحة قصره في كفرياسين قُبيل عيد الميلاد، متسبباً بزحمة سير خانقة لساعات، وهناك من استغرقته رحلة الحصول على “كرتونة” المساعدات في ذاك اليوم 6 ساعات وما يوزايها من حرق أعصاب وفرامات…

وصحيح أن بعض المرشحين للإنتخابات النيابية الماضية، وبعض النواب الواصلين إلى الندوة البرلمانية بقوة المال لا النضال، وجدوا في الضائقة الإجتماعية الخانقة فرصة لإعادة تلميع صورتهم في مجتمعاتهم. هؤلاء مكشوفون. لكن أن يعمل بعض المتذاكين على إسقاط شعار “كلن يعني كلّن “، المتحوّل لازمة مملة، على أصحاب الأيادي البيض من مكوّنات المجتمع السياسي، فهم لم يتنبّهوا إلى أن سهامهم المسمومة ستطاول جمعيات ومؤسسات وكيانات في صلب الحركة التغييرية الناشئة بعد 17 تشرين الأول 2020 وقبل ذاك التاريخ.

لا، ليس كل من وقف إلى جانب مواطنيه، ومن دون تمييز، سواء بإرسال كرتونة إعاشة، أو وجبة يومية ساخنة، أو ربطة خبز، وليس كل من سد نافذة مشرّعة على المطر، أو تبرّع بمبلغ رمزي، أو اشترى لقاحات يُصنّف كراشٍ أو كمستغلّ أو كمتسلّق أو كإنتهازي.

فيوم كلّفت مؤسسة الحريري في مطلع الثمانينيات (وكان يرأسها الفضل شلق) بتوزيع المساعدات السعودية، باسم الملك فهد، طُرقت 700 ألف باب من دون تمييز طائفي أو مناطقي، وقتها لم يكن رفيق الحريري يعدّ العدة لخوض انتخابات نيابية وشيكة، ولا كان الملك فهد يحاول توسيع قاعدة التأييد له في الأشرفية أو في زغرتا أو في الغبيري. هناك أفعال من دون مقابل. وهناك أقوال تبث كالسموم.

يٌفهم أن ينخرط بعض الناشطين على مواقع التواصل الإجتماعي، في الحملة على حزب القوات اللبنانية، والحزب التقدمي الإشتراكي، وحزب الله، و”المستقبل” وغيرها من الأحزاب والشخصيات، ولكل منها مقاربته في العمل الإجتماعي، لكن أن تستهجن محطة تلفزيونية مرموقة، كالمؤسسة اللبنانية للإرسال، “محاولة البعض تلقف هذه الأوضاع المعيشية لمساعدة الناس من كيسهم” وتتهمه بسرقة أموال المودعين ففيه غباوة موصوفة أو استهداف رخيص.

فإن أشترى أي حزب، أو أي سياسي مواد مدعومة، بطريقة شفافة، وأوصلها إلى ناس يحتاجونها، فيكون بذلك قد ساهم، بقدر ما، في دعم الأسر الفقيرة أولاً، وفي تخفيف الأعباء على السوبر ماركت، التي لا تستطيع أن تميّز بين مقتدر وفقير، وبين مستفيد من جهات دولية (النازحون) وغير مستفيد ثانياً. وإن كانت سياسة الدعم التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة، من الأخطاء الجسام، فعلى معدّي التقارير أن يحسنوا التصويب بالإتجاه الصحيح.

والملفت أن الـ “أل بي سي آي”، التي حمَلت وتحاملت على “كراتين الإعاشة”، تعتبر سبّاقة، في توزيعها، في مناسبات الأعياد، مستغلة وجع الفقراء لاستدرار دموع المشاهدين واستقطابهم من خلال تركيز الكاميرا على من يحملون صناديق مياه معدنية وكراتين إعاشة إلى العوائل المستورة من دون أن تدفع “المؤسسة” من ثمنها قرشاً. تتكّل على المحسنين وتجمّل صورتها من كيس غيرها.وغداً، في الشهر الفضيل، قد تفعل الأمر نفسه مع فارق، أن الكراتين التي ستوصلها إلى منازل الفقراء ستضم مواد غذائية ومواد تنظيف مدعومة!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us