دار الفتوى لعون: مرثا مرثا الحاجة هي إلى أمر واحد


أخبار بارزة, خاص 30 كانون الثاني, 2022

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان” :

هي المرة الأولى، التي تطأ فيها قدما رئيس الجمهورية ميشال عون عتبة دار الفتوى. فهو، قام بزيارةٍ مفاجئةٍ للدار السبت الماضي، بعد تحضيرٍ سريعٍ بين القصر الجمهوري وبين الدار. ولم يتأخر صاحب الدار المفتي عبد اللطيف دريان بالقيام بواجب الضيافة على أكمل وجه، وذلك كما تقتضيه عاداتنا التي تنطلق من المثل الشهير: “يا ضيفنا لو زرتنا…” لكن السؤال الذي لم يطرحه المفتي دريان على زائره لياقةً، طرحه كثيرون في السياسة والاعلام، وهو: “ماذا استجدّ، كي يقوم الرئيس عون بزيارةٍ لم يقم بها، منذ وصوله إلى قصر في نهاية تشرين الأول عام 2016؟”

قد يجيب الرئيس عون بنفسه، كما فعل بعد زيارة دار الفتوى عندما صرّح قائلاً: “أكدت لسماحته الدور الذي تؤديه الطائفة السنية الكريمة في المحافظة على وحدة لبنان وتنوعه السياسي، وأهمية المشاركة مع سائر مكونات لبنان في الحياة الوطنية والسياسية والاستحقاقات التي ترسم مستقبل لبنان وأبنائه”.

إذاً، ما قصده الرئيس عون في زيارته غير المسبوقة للمرجعية الدينية السنيّة، هو “أهمية” مشاركة الطائفة السنيّة في “الحياة الوطنية والسياسية والاستحقاقات…” فبدا، وكأنّ رئيس الجمهورية يحاول تشجيع المرجعية الروحية لهذه الطائفة على المشاركة التي أشار إليها. لكن، مهلاً :فالمفتي دريان، وفي اليوم السابق لزيارة عون له، أي يوم الجمعة الماضي، كان له تحرّكٌ مشهود كي يطلق نشاطاً واسعاً كي تعود طائفته إلى الحياة السياسية، وذلك بعد أيامٍ قليلةٍ من إعلان زعيم تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري تعليق مشاركته هو وتياره في الانتخابات النيابية المقبلة وسائر أوجه الحياة السياسية. وهكذا جاءت زيارة الرئيس عون من أجل هدفٍ سبق وتحقّق من دون تدخّله. فهل كانت فعلاً زيارة الأخير، للأسباب المعلنة بلسانه، أم لأسبابٍ أخرى؟ وإذا كانت من أسبابٍ أخرى، فما هي يا ترى؟

قبل الإجابة على هذا السؤال، لا بدّ من التوقّف عند الجهد الخاص الذي بذله المفتي دريان كي تنطلق المرجعيات السياسية في طائفته مجدداً نحو إحياء إنخراطها في العمل السياسي، ومحو الانطباع الذي ساد بعد موقف الرئيس الحريري الأخير، بأنّ السنّة أجمعين سيمضون على خطى رئيس أكبر كتلة نيابية في البرلمان. وفي هذا السياق، تجمّعت المعطيات الآتية:

خمسة أيام فقط فصلت بين المؤتمر الصحافي الأخير للرئيس الحريري وبين زيارة مفتي الجمهورية للقصر الحكومي. وبين المؤتمر الصحافي وبين الزيارة كشف المفتي دريان عن “كلمة سرّ” بقيت طيّ الكتمان طوال الأيام الخمسة الماضية، وهي أنّ السنّة في لبنان موحدون في قرار المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة. وما يعطي “كلمة السرّ” أهميةً إستثنائية، هي أنها قد أتت بموافقة الرئيس الحريري نفسه الذي أعلن تعليق مشاركته هو وتيار “المستقبل” في هذه الانتخابات. فما هي القصة؟

للجواب على هذا السؤال الذي يطرح ظاهرياً تناقضاً بين موقف الحريري المعلن وبين موقفه المضمر، علينا العودة إلى يوم الخميس في 20 كانون الثاني عندما عاد زعيم تيار “المستقبل” إلى بيروت آتياً من أبو ظبي، وبدأ الإعداد لإعلان موقفه من المشاركة في الانتخابات خصوصاً والحياة السياسية عموماً. فهو زار تباعاً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ثم المفتي دريان. وفي اللقاءين، أي في السراي ودار الفتوى، لم يصرّح أحد، سواء الحريري أم ميقاتي ودريان. وكان لهذا الصمت دلالة، أوضحتها المعلومات التي أفادت لاحقاً، أن الحريري أكد على قراره تعليق نشاطه السياسي إلى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة، على الرغم من محاولة رئيس الحكومة ومفتي الجمهورية إقناعه بالعدول عن قراره هذا. وهنا تصل المعلومات إلى النقطة الحاسمة التي توضح مجرى التطورات اللاحقة، وهي كمنت في السؤال التالي الذي طرحه المفتي دريان على الحريري: كيف تتصور الأمور بعد إعلان قرارك تعليق مشاركتك في الانتخابات؟ فكان جواب الأخير: هذا الأمر متروك لكم. وصيغة الجمع تشمل المفتي دريان ورئيس الحكومة وسائر قادة الطائفة، وفي مقدمهم الرئيس فؤاد السنيورة.

بالطبع، كان الحوار نفسه، حاضراً بعد لقاءَي السراي ودار الفتوى في اللقاء الموسع مع ميقاتي والرؤساء الحريري والسنيورة وتمام سلام. وكانت خلاصة هذا الحوار، أن الطائفة السنيّة هي باقية في قلب الحياة السياسية، وتالياً ستكون مشاركة بكل فاعلية في الانتخابات النيابية المقبلة. وإذا كان البعض، أطلق إحتمال لجوء السنّة إلى خيار مقاطعة الانتخابات النيابية، على غرار المقاطعة المسيحية عام 1992، فكان الجواب على المستوى القيادي السنيّ هو أن هناك فارقاً بين المقاطعة المسيحية التي جاءت على خلفية رفض مفاعيل الوصاية السورية المباشرة على لبنان قبل 30 عاماً، وبين الواقع اليوم حيث سائر الطوائف مهتمة بالاستحقاق الانتخابي، ولا مبرر على الإطلاق أن يكون السنّة خارج هذا التوجه.

الرئيس السنيورة وفي حديث إلى قناة “العربية-الحدث” قال: “إن إجراء الانتخابات النيابية، وعلى رغم كل إشكالاتها يمكن أن تشكّل مناسبة من أجل التوجه نحو توحيد صفوف هذه القوى السيادية حول قضية استعادة سلطة الدولة اللبنانية الحصرية ولقرارها الحر”.

وفي سياقٍ متّصل، كان لافتاً الرسالة التي وجهها السيد بهاء الحريري، النجل الأكبر للرئيس الراحل، وأعلن فيها أنه سيكون قريباً في لبنان وقال: “…أي تضليل أو تخويف من فراغ على مستوى أي مكون من مكونات المجتمع اللبناني يخدم فقط أعداء الوطن فما بالكم التخويف بالفراغ في أكبر طائفة في لبنان؟”

بالعودة إلى زيارة الرئيس عون لدار الفتوى، أعاد المراقبون إلى الأذهان الزيارة الشهيرة التي قام بها العماد عون قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية، إلى بيت الوسط كي يلاقي الرئيس الحريري في موقفه الذي تبنى ترشيح عون في السباق الرئاسي. لكن، الأعوام التالية بعد سنة 2016، كشف عون عن أن الحريري لم يعد مرغوباً به حتى في قصر بعبدا كرئيس الحكومة، بدليل دوران الحريري في دائرة مفرغة على مدى 10 أشهر كي يشكل الحكومة بعد إستقالته عام 2019 لكن من دون جدوى. فكان واضحاً أن رئيس الجمهورية وفريقه السياسي الذي يتزعمه صهره النائب جبران باسيل، وبالتقاطع مع “حزب الله” لم يعودوا يريدون الحريري الذي تخلى بدوره عن منطق الصفقات مع العهد. ولا يبالغ المراقبون في القول عندما يشددون على أن السبب الأهم وراء “تطفيش” الحريري من لبنان هو العهد الحالي.

في عام 2016، زار عون الحريري قبل أيام من إنتخاب زعيم “التيار الوطني الحر” رئيسا للجمهورية، فكان للأخير ما أراد. وفي عام 2022 ، زار الرئيس عون دار الفتوى، فما هو مراده يا ترى؟

كل المعطيات تفيد أنّ هدف عون الكبير هو توريث النائب باسيل رئاسة الجمهورية. لكن من المؤكد أنّ دار الفتوى عام 2022 هي غير بيت الوسط عام 2016. وعلى رغم اللياقة، فقد كان من المفتي تلميح لرئيس الجمهورية، وهو: كم يكون مفيداً لو أن الرئيس عون يهتم فيما تبقى من ولايته بما هو نافع للبنان، وفي مقدم ذلك، إعادة العلاقات اللبنانية- العربية، لاسيما الخليجية منها إلى طبيعتها.

كأن المفتي دريان قرأ بلطف على مسامع الرئيس عون ما جاء في إنجيل لوقا:

“وبينما هم في الطريق، دخل إحدى القرى، فاستقبلته امرأة إسمها مرثا في بيتها. وكان لها أخت اسمها مريم، جلست عند قدمي يسوع تسمع كلمته. أما مرثا فكانت منهمكة بشؤون الخدمة الكثيرة. فأقبلت وقالت: “يا ربّ، أما تبالي بأن أختي قد تركتني أخدم وحدي؟ فقل لها أن تساعدني!” ولكن يسوع ردّ عليها قائلاً: “مرثا مرثا! أنت مهتمة وقلقة لأمور كثيرة. ولكن الحاجة هي إلى واحد، ومريم قد اختارت النصيب الصالح الذي لن يؤخذ منها!”

هل سمع الرئيس عون ما جاء في الإنجيل، أم يصح فيه القول: على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us