كييف في زمن بوتين: كما تذكّرنا بالأشرفية زمن الأسد!


أخبار بارزة, خاص 28 شباط, 2022

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

بين 24 شباط 2022 والأول من تموز 1978، زمن طويل جدًّا، ليس من حيث عدد السنين وهي قرابة 44 عامًا فحسب، وإنما من حيث التحولات الدولية التي شهدنا من خلال سقوط أمبراطوريات كالاتحاد السوفياتي، وولادة أخرى مثل الصين. وبين السقوط والولادة، كان لبنان في مهبّ هذه التحولات ولا يزال حتى اليوم.

في 24 شباط الجاري، أي قبل أيام فقط، كان العالم ولا يزال على موعد مع الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو حدث أيقظ العالم من سباتٍ غرق فيه منذ الحرب العالمية الثانية في نهاية الثلاثينيات إلى منتصف أربعينيات القرن الماضي. في تلك الحرب التي بدأت في الأول من أيلول 1939، قامت ألمانيا بزعامة أدولف هتلر باجتياح بولندا لتسيطر بعد ذلك على مساحات واسعة من القارة الأوروبية، وانتهت في الثاني من أيلول عام 1945 بغزو الحلفاء لألمانيا وسيطرة الاتحاد السوفياتي على برلين.

أما الغزو الروسي لأوكرانيا، فهو الذي شنّته روسيا على أوكرانيا في 24 شباط 2022، بعد حشدٍ عسكري طويل، وإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 21 شباط 2022، الاعتراف بجمهوريتيْن انفصاليتيْن في منطقة دونباس شرق أوكرانيا هما دونيتسك ولوغانسك. وقد اندفعت الآلة العسكرية الروسية بعد ذلك في عمق أوكرانيا لتطال مدافعها وغارات طيرانها العاصمة كييف.

قبل 44 عامًا تقريبًا، انطلقت حرب المئة يوم التي اندلعت في 1 تموز 1978 وتمثّلت بالحصار الذي ضربته الآلة العسكرية السورية في زمن حافظ الأسد على منطقة الأشرفية، واستمرت حتى 7 تشرين الأول من العام نفسه، وتخللها استخدام كل الأسلحة الثقيلة التي كان الاتحاد السوفياتي قد أودعها في مخازن النظام السوري في ذلك الزمن. ومن بين تلك الأسلحة، تلك التي اشتهرت بـ “أرغن ستالين”، والذي كان يطلق أربعين صاروخًا من عيار 122 ملم (عشرة صواريخ في كل مرتبة) وبواسطة الرشق السريع في غضون دقيقة واحدة، ما يجعل الهدف المطلوب تحت رحمة الصواريخ المنطلقة “قصف عشواء” لتغطية محيط جغرافي محدد.

كاتب هذه السطور، وكنت لا أزال في بداية عملي الصحفي، أتذكر ليلة كنت في منزل رئيس الحكومة رشيد كرامي في زمن حصار الأشرفية، والمنزل يقع في منطقة زقاق البلاط القريبة من برج المر في غربي بيروت، حيث يتمركز الجيش السوري، حين اهتز المنزل بعنف تحت وطأة صوت اندفاع رشقات صواريخ “أرغن ستالين” التي انطلقت لتصيب الأشرفية التي تبعد مئات الأمتار عن البرج. وتحت وطأة الاهتزاز العنيف الذي عصف بالمنطقة، شاهدت بأم العين الرئيس كرامي يهتف بكل ألم: “ما حرام يصير اللي عم بيصير بلبنان!”، وبدت على وجه الرئيس الراحل علامات الأسى الشديد، بشكلٍ لم أعهده به من قبل.

يقول جورج فريحة في كتابه “مع بشير ذكريات ومذكّرات” الصادر عن دار سائر المشرق عام 2017، عن حصار الأشرفية:” ما سميّ بـ “حرب المئة يوم”، شهدت قصفًا عنيفًا لم يعرف لبنان مثيلًا له حتى تلك السنة، وانهمرت القذائف من مختلف العيارات وأثقلها، وقتلت ودمّرت وشرّدت الآلاف من السكان الآمنين. وانطلقت الحرب التي انتهت بإخراج القوات السورية من المناطق الشرقية، أو ما أسميناه بالمناطق المحرّرة”.

وفي السياق ذاته، يقول فريحة: “صحّت مخاوف بشير(الجميّل) في صيف 1978، إذ انقلب “الصديق” السوري علينا بعد تحقيق السلام المصري- الإسرائيلي وقرار الرئيس حافظ الأسد النفاذ إلى قلب الساحة العربية والإسلامية ومحاولة تصدّر قيادة المواجهة العربية لإسرائيل، فتقرّب مجدّدًا من الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقدّم إليهم التسهيلات في لبنان لاستعادة نفوذهم السابق الذي أدخل جيشه إليه قبل عاميْن، بهدف ضبطه والحدّ منه ومساعدة الدولة اللبنانية على استعادة سيطرتها على أراضيها وفق التبريرات التي قدّمها في حينه”.

بعد الأشرفية بالأمس، ها هي اليوم كييف، نشاهدها لحظة فلحظة كيف تدكّ صواريخ بوتين أبنيتها الشاهقة، كما فعلت صواريخ الأسد من قبل في شرقي بيروت.

كتب توماس فريدمان في النيويورك تايمز مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا: ” لن يعود عالمنا كما كان بعد هذه الحرب، لأنّها حرب لا مثيل لها في التاريخ. إنه استيلاء على الأرض من قبل قوى عظمى – على غرار ما كان يحصل في القرن الثامن عشر – ولكن هذه المرة، يحصل في القرن الواحد والعشرين، قرن العولمة. إنّها الحرب الأولى في العالم التي ستتمّ تغطيتها على tiktok من قبل أشخاص مسلّحين فقط بهواتفهم الذكية، لذلك سيتمّ توثيق جميع الأعمال الوحشية وبثّها في جميع أنحاء العالم من دون تحرير أو تعديل.

في اليوم الأوّل من الحرب فوجئنا بعرض الوحدات العسكرية الروسية على خرائط غوغل، ببساطة لأنّ غوغل أرادت تنبيه السائقين بأنّ الدرع الروسي تسبّب بزحمة مرورية. هي مسرحيّةٌ لم نشهد لها مثيلًا من قبل”.

هل نقول، أنّ من حظ أوكرانيا، أنها تواجه صلف “القيصر” الروسي في زمن العولمة، كما كتب فريدمان، وأنّ من عاثر حظ الأشرفية في ذلك الزمن، أنه لم تكن العولمة قد أبصرت النور بعد؟ قد يكون في هذه المقارنة شيء من المنطق. لكن، وفي المقارنة أيضًا، يتبيّن أنّ في الأشرفية وهي منطقة صغيرة جدًّا من لبنان، وفي أوكرانيا، وهي بلد صغير بالمقارنة مع روسيا، بشرٌ آمنوا بحريتهم فلقّنوا الطاغية السوري بالأمس، كما يلقّنون طاغية روسيا اليوم، درسًا بليغًا سيجعل كل طغاة العالم يلوون على أعقابهم.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us