بعد 27 عاماً، هناك من عاد في عين الرمانة إلى دماء سيدة النجاة!


أخبار بارزة, خاص 28 آذار, 2022

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

في 14 تشرين الأول عام 2021، وقعت أحداث عين الرمانة الدامية التي أسفرت عن مقتل سبعة أشخاص بينهم من ينتمون إلى “حزب الله” وحركة “أمل”.

وفي 27 شباط 1994، وقع تفجير في كنيسة سيدة النجاة في زوق مكايل خلال قداس الأحد أسفر عن مقتل 10 أشخاص من المصلين.

هل هناك من صلة بين التطورين الأمنيّين الذي يفصل ما بينهما 27 عامًا؟

في العودة إلى الوقائع وما تلاها، تنكشف فعليًّا هذه الصلة على رغم تبدّل الظروف التي تحيط بكل منهما. ولعل أبرز ما في هذه الظروف، أنّ أحداث عين الرمانة العام الماضي تأتي في ظلّ نفوذ “حزب الله” الذي يخضع له لبنان. في حين أنّ تفجير كنيسة سيدة النجاة، وقع في ظل النفوذ السوري الذي حكم لبنان لغاية العام 2005.

أما أبرز ما في الصلة بين هذين التاريخين، هو استهداف الدكتور سمير جعجع. فبالأمس، ادّعى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، على رئيس “القوات اللبنانية” بما أسماه “التورّط” بأحداث عين الرمانة العام الماضي ونسب إليه “جرائم جنائية خطيرة منها القتل وإثارة الفتنة الداخلية”.

أما في العام 1994، فاتهم الأمن السوري-اللبناني المشترك قائد “القوات اللبنانية”، ما أدى إلى توقيفه ومن ثم سجنه لمدة 11 عامًا على رغم تبرئته من علاقة “القوات” بالتفجير، ومن ثم أطلق سراحه عام 2005.

في زمن الوصاية السورية، جرى سجن جعجع. فهل في زمن وصاية “حزب الله” من يفكر في تكرار الفعل؟

في عطلة نهاية الأسبوع أطلت مقاربتان للجواب على هذا السؤال: الأولى، في عظة الأحد للبطريرك الراعي الذي سأل: “هل الهدف من بعض الإجراءات الصادمة (ادعاءات القضاء بحق جعجع)، خلق واقع يؤدي إلى تطيير الانتخابات النيابية في موعدها، وتحميل مسؤولية هذه الجريمة الوطنية للطرف الذي يريد حصولها حقاًّ؟”

لكن البطريرك يستدرك قائلًا: “يجب أن يتم هذا الاستحقاق الدستوري وأن يعقبه انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل شهرين من نهاية ولاية الرئيس الحالي بموجب المادة 73 من الدستور. من شأن الرئيس الجديد أن ينهض بالبلاد وينتشلها من المحاور إلى الحياد، ويضع حدًّا لهذا الانهيار والدمار. لبنان ليس ملك فئة. إنه ملك الشعب والتاريخ والمستقبل”.

أما المقاربة الثانية، فأتت من الحزب التقدمي الاشتراكي الذي قال: “إنّ الممارسات الحاصلة في استخدام بعض القضاء باستنسابية سياسية، قد تخطّت كلّ الحدود وباتت تنذر بعواقب وخيمة. فغريبٌ جدًّا كيف أنّ قضيّة وطنيّة كالتّحقيق في انفجار المرفأ تتجمّد من دون أيّ تحرّك باتّجاه الحقيقة، فيما تتحرك ملفّات أخرى بسحر مستشار تارة للنيل السياسي، وربما الانتخابي، مثلما هو الحال في الادّعاء على رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وطورًا بحقّ الإعلام وحرية الرأي والتعبير، تحت مسميات شعبوية تتلطى خلف حقوق الناس”.

يقول كارل ماركس، “إنّ التاريخ يعيد نفسه مرتين: مرّةً على شكل مأساة، ومرّةً على شكل مهزلة”. لكنّنا في لبنان، وعلى رغم مهزلة هذه الأيام، فإنّ هذا لا ينفي المأساة التي تتجدّد في أمكنة مختلفة لكن الهدف واحد، هو توظيف الدماء في مخططات السيطرة.

لو كان هناك من اعتبار يُعطى للحقائق، فإن تقادم الزمن لا يلغي هذا المبدأ.

ويروي وزير سابق عاش عن كثب تراجيديا كنيسة سيدة النجاة، لكنه آثر عدم الكشف عن اسمه قائلًا: “عندما كنت وزيرًا، وقع انفجار سيدة النجاة. وكان الاتّجاه لتحميل سمير جعجع المسؤولية وزجّه في السجن. وجاءني مسؤولٌ أمنيٌّ كبير وقال لي أنّ لا أدلة تثبت أنّ جعجع متورّطٌ بانفجار الكنيسة. وقال إنّه ضرب الموقوف جريس الخوري ليتراجع عن إفادته، لكنّ الأخير لم يتجاوب”. يضيف الوزير: “تلقّيت اتّصالًا من مرجع كبير وطلب مني المجيء إلى مكتبه، فتوجّهت إلى لقائه. وبادرني في مستهلّ اللقاء: لدينا مشكلة أنه ليس هناك من قاضٍ يقبل بأن يحاكم جعجع على أساس انفجار الكنيسة. عندئذٍ جرى اعتماد مبدأ أنّ ارتكاب أيّ جرم بعد قانون العفو يسقط العفو عن مرتكبه. وهكذا جرت محاكمة جعجع على أساس مزاعم جرائم أخرى لكنّه نال البراءة في انفجار الكنيسة”. وخلص إلى القول: “إنّ انفجار الكنيسة قام به طرف الدولة لكن لا تسألني من هو هذا الطرف”.

من دبّر أحداث عين الرمانة الأخيرة لكي يعيد تكرار سيناريو كنيسة سيدة النجاة كي يكون الدكتور جعجع المتّهم والمُدان؟

في أيّ حال، ستكشف الأيّام الحقائق مهما طال الوقت. لكن هذا لا يلغي بعض الحقائق، التي وردت على لسان الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله الذي أطلق الأحكام في أحداث عين الرمانة، وآخرها ما صرّح به قبل أيام في لقاء داخلي مع كوادر الحزب في البقاع، فقال أنّ “من يتحالف مع القوات اللبنانية في الانتخابات النيابية المقبلة، إنما يتحالف مع قتلة شهداء كمين الطيونة”. وبعد كلام نصرالله، صدر ادّعاء عقيقي بحق جعجع.

هل لا يزال هناك لبسٌ في أنّ هناك من يزال يفكر اليوم بزمن تفجير كنيسة سيدة النجاة، كي يكرّر النتائج ذاتها في أحداث عين الرمانة؟

بالتأكيد، إنّ ممتهني توظيف الدماء يسعون إلى ذلك، لكن من المؤكد أنّهم لن ينجوا هذه المرة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us