الفرصة التي لم تسنح للاقتصاص من الجيش


أخبار بارزة, خاص, مباشر 27 نيسان, 2022

كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان” :

عملياً كان كل ما حصل بعد غرق المركب، مهيّئاً للاقتصاص من الجيش ومن قائده العماد جوزيف عون بخلفية تصفية حسابات سياسية مؤجلة حتى اللحظة المناسبة. لقد توفرت شروط اللحظة بغرق المركب وبشهادات بعض أهل الناجين، التي التقطتها قوى سياسية كالمغناطيس لتوجيه السهام إلى قيادة الجيش دون انتظار التفاصيل والتحقيق ومعرفة ما حصل سواء كان صدماً متعمداً وهذا يحتاج إلى ألف دليل دامغ لتصديقه، أو كان غرقاً لمركب محمل بطاقة لا قدرة له على استيعابها.
بدا واضحاً منذ اللحظات الأولى أن المطلوب رأس الجيش وقيادته، وتولت الحملة بعض قوى الممانعة المسيحية منها على وجه التحديد، ولم ينتظر النائب جبران باسيل “طلوع الضو” بل أصدر في الليلة نفسها موقفاً، كان على مدى اليومين الماضيين مؤشراً لخطوات تصعيدية ضد الجيش بلغت ذروتها في اجتماع الحكومة، لكن الرياح على طاولة مجلس الوزراء هبت بما لا تشتهي سفن، المتربصين.
في الوقائع أن المركب الذي حمل المهاجرين إلى الموت هرباً من الجوع، لا يتسع لأكثر من عشرة أشخاص، وتم تحميله ب 85 شخصاً، دون أن يزود تجار الموت أيًّا من الركاب بسترة نجاة، وانطلق المركب، وما كاد يصل إلى حدود 12 ميل بحري، أي قبل ذلك بـ 500 متر تقريباً حتى حاول زورق للجيش إرجاعه إلى الشاطئ، دون أن يقترب منه في البداية. بالدلائل القاطعة تبين أن الزورق كان يعاني من دخول المياه فتصعد مقدمته إلى الأعلى وتهبط مؤخرته إلى حد الغرق. وبعد إبراز هذه المعطيات على طاولة مجلس الوزراء، بني بعدها على الشيء مقتضاه.
وفي الوقائع أن زورق الجيش اقترب من المركب محاولاً ثني قبطانه(سوري الجنسية) عن متابعة الرحلة، لكن السائق أكمل طريقه في الرحلة، وحصل احتكاك بين الزورق والمركب، لكن كان المركب قد بدأ يعاني وحصل الغرق بثوانٍ قليلة.
ويبقى السؤال: هل يتوجب على الجيش إجراء التحقيق، والمحاسبة في حال حصول التجاوز؟ الجواب بالتأكيد نعم، لأن التحقيق وحده بالأدلة والصور يمكن أن يعطي الصورة الأوضح بعيداً عن الاستثمار السياسي والفرص الانتهازية. لكن هل سيكون منطقياً تحميل الجيش كمؤسسة مسؤولية جنائية بهذه الخطورة، وهي المكلفة حماية الاستقرار والقوانين الدولية البحرية، وهل سيكون منطقياً إبراء ذمة تجار المراكب وتجريم الجيش؟ بالطبع هذا سيكون عملاً سياسياً انتقامياً كان ليسلك طريقه لو لم يحصل ما حصل في مجلس الوزراء أمس حيث بدا قائد الجيش في وضع الهجوم، وتراجع من يخططون لإغراق الجيش خطوات إلى الوراء.
في تسلسل زمني يعكس نية تصفية الحساب مع الجيش يمكن تسجيل الآتي: صباح أمس ورد في الوكالة المركزية خبر عن حضور قائد الجيش جلسة مجلس الوزراء وتواترت معلومات عن اتصال جرى بينه وبين ميقاتي، اتفق فيه على هذا الحضور. قبل الجلسة ينشر تويتر القصر الجمهوري تويت عن “استدعاء” العماد جوزيف عون إلى الجلسة، بما تعنيه كلمة استدعاء من معانٍ لا تحتاج إلى تفسير. ثم ما لبث القصر أن ألغى التويت قبل الساعة الواحدة، بما يدل على فشل في توريط الجيش بالمأساة على طاولة الحكومة.
مسلسل بدأ منذ اللحظات الأولى لغرق المركب، لا هاجس فيه إلا التخلص من كابوس ثقيل اعتقاداً بأن الفرصة الذهبية قد سنحت لهذا الاقتصاص. تتكرر المحاولة مرة تلو الأخرى، والواضح أن مصيرها الفشل، فمن يريد أن يحاكم غيره، غارق في الاتهام بإغراق بلد بكامله، فكيف إذا كان يسعى للاقتصاص من مؤسسة لا تزال تعتبر في الداخل والخارج أنها من آخر الضمانات المتبقية في بلد ينهار.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us