سعيد والاختبار الأخير


كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:

إنه الاختبار الأخير الذي بعده لم يعد للرحلة الطويلة إلّا أن تستريح. إنه اختبار قرنة شهوان وتجربتها الثورية في مواجهة وصاية النظام السوري، وفي التأهيل للانتصار في العام 2005، ومن ثم ضياع الانجاز في رحلة بين وصاية خارجية ووصاية خارجية تلبس لباس الداخل. لقد فوضت أغلبية مسيحية المكتب السياسي للبطريرك صفير، أن يقودها إلى الاستقلال الثاني، فتحقق جزئياً بعد اغتيال رفيق الحريري، وخسر أبطاله في الصناديق، والوحيد منهم الذي بقي على قيد الانتخابات فارس سعيد.
هو يخوض اليوم انتخابات الفرصة الاخيرة، ففي انتخابات 2005 كان يفترض أن يتوّج رئيساً لكتلة نيابية في جبل لبنان الشمالي، لكن رياح الموارنة العابقة بالخوف صوّتت ضد فوبيا التحالف الرباعي، فأسقطته في لحظة انتصار سياسي غير مسبوق شارك في صنعه.
هو يخوض اليوم الاختبار الذي يفترض أن يكون بالنسبة له الأخير، ليس سعياً وراء النمرة الزرقاء، بل لتأكيد أن هذه المعركة وطنية سياسية لا تتسع لها زواريب الحسابات الصغيرة. معركته معركة وحدة اللبنانيين التي برأيه هي أمّ كل المعجزات وأوّلها سيادة لبنان والحفاظ على هويته.
وعلى الرغم من أن هذه الوحدة لم تكن حقيقة إلّا في محطات معدودة، يصر سعيد على اعتبارها حقيقة مقدسة ودائمة، تخاض من أجلها الانتخابات، والمعارك، ويمر فوق رأسها طيف الدرون، وتتعرض كل يوم وساعة لأن تدخل في حقول ألغام لا تنتهي.
قصة سعيد مع الموارنة تشبه القصيدة الملهمة. يريد لهم أن يكونوا جماعة على صورة نحت تصويرها الأب العلامة ميشال حايك في عظته الشهيرة بكنيسة مار جرجس، وغالبيتهم إلا من القلة، تخفق قلوبها لمن يعزف منهم على وتر الخوف والذمية، والشعبوية، وتسير القافلة العمياء مرة كل أربع سنوات، فتجرف من هم كفارس سعيد، ولا يبقى إلّا من لا يعرف اليأس وهو منهم، كما لا يبقى إلّا من لم يبق له من اتصال مع الواقع إلا الخيط الرفيع، وسعيد ليس بعيداً جداً عن الرؤى الوردية.
لم يجرؤ أحد من الموارنة على مطالبة رئيس الجمهورية بالاستقالة في عز الحملات الانتخابية إلّا هو، فالكلام الجامع يندر في زمن الانتخابات، والاقتراب من المحرمات مكلف في الصناديق، لكنه مؤمن أنّ معركته إما تكون بأوسع دائرة من البيكار أو لا تخاض من الأساس.
هو يجرؤ أيضاً على ارتكاب ما قد يفسر على أنه اخطاء جسيمة. فحصر المعركة بعنوان الاحتلال الإيراني، لا يكفي ولا يمكن أن يملأ معدة شعب جائع، لكنه يصر على تجاهل هذه التوأمة بين الفساد والوصاية، ويسخر من كل من يهبط إلى هذه التفاصيل هرباً من المواجهة الكبرى، أي مواجهة مشروع إيران في لبنان.
يذهب فارس سعيد إلى الانتخابات، بعنوان وحيد: استعادة سيادة لبنان. يستفتي كسروان وجبيل، وينبه من خطر عظيم، ويدق كل الأجراس دفعة واحدة، ولا ينتظر على رصيف 15 أيار.
في مساء يوم الانتخابات هزيمة أو انتصار، والكرة بيد أكبر تجمع للناخبين المسيحيين في جبل لبنان. فإما استجابة وموجة تقلب التوقعات في الصناديق، وإما استهانة سيكون لها ارتداد مستقبلي أسود.
أن يهزم خطاب فارس سعيد في عمق الموارنة، فهذا سيعني أولاً أن هذا الخطاب هو صوت صارخ في برية.
أن يهزم فهذا سيعني أن مساراً طويلاً من قرنة شهوان إلى ثورة الاستقلال، لم يكن موجوداً أصلاً إلّا في خطاب سعيد وفي كتب التاريخ التي ستضعه في مربع ذهبي.
أن يهزم فهذا سيعني أن حزب الله في كسروان وجبيل هو الأقوى.
أما إذا فاز فسيؤشر ذلك إلى تحول عميق وكبير أبعد بكثير من مجرد فوز مرشح أو سقوطه.
الجميع بانتظار 15 ايار في كسروان وجبيل، أما المكابر العنيد، فردة فعله متوقعة ومكررة إذا خسر، لكن رحلته إلى ما بعد البرلمان، إذا فاز، ستدخل إلى ساحة النجمة ما افتقدته، لسنوات طوال.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us