جدار برلين اللبناني يتهاوى … البداية في ساحة النجمة


أخبار بارزة, خاص 30 أيار, 2022

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

بعدما انتصبت الجدران في محيط مجلس النواب، إثر انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، راحت الرافعات الأسبوع الماضي تزيل الحواجز الإسمنتية العملاقة من على مداخل الطرق المؤدية إلى ساحة النجمة. كان الهدف من وراء الجدران الإسمنتية، هو منع تقدم حشود الانتفاضة من الوصول إلى ساحة البرلمان. لكنها اليوم، لم تعد ذات فائدة بعدما أدت الانتخابات النيابية إلى فوز 13 مرشحاً يمثلون الانتفاضة على امتداد لبنان. وهؤلاء الفائزون، دخلوا البرلمان الاثنين الماضي مستطلعين مكاتبهم الجديدة، في منطقة بدت قبل نحو عامين و7 أشهر أشبه بمنطقة محرّمة، كما كانت بكين في الزمن الإمبراطوري في القرن الخامس عشر. أما الجدران الإسمنتية التي أزيلت فبدت بدورها، كجدار برلين الذي شطر العاصمة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية نصفين، لكنه تهاوى عام 1989، عندما تهاوى الاتحاد السوفياتي نفسه، والذي كان يسيطر على الجزء الشرقي من ألمانيا تحت وطأة بيروسترويكا آخر رئيس للاتحاد، هو ميخائيل غورباتشيوف.

بدا، وكأن هناك نزاعاً خفيًّا رافق سقوط جدار برلين اللبناني بين رئيس السن للبرلمان الجديد، نبيه بري، وبين وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، بسام المولوي، حول من يعود إليه الفضل في رفع السواتر الإسمنتية. لكن هذا النزاع لم يحجب في نهاية المطاف فضل الانتخابات وما انتهت إليه من نتائج.

يبدو أن ساحة النجمة من الآن فصاعداً، أمام ثلاثة احتمالات: إما أن تعود كما كانت منذ زمن بعيد ساحة للتلاقي، كما هو عادة قلب العواصم، فلا تعترضها تدابير أمنية بذريعة حماية البرلمان، والتي حوّلت منذ أعوام ساحة النجمة إلى منطقة عسكرية يحظر الوصول إليها لمن يشاء. وإما، أن تكون مشاهد رفع الجدران مؤقتة، فتعود لاحقاً تحت وطأة تحركات تنذر بها الانهيارات المتسارعة على معظم الأصعدة. وإما أن يرحل البرلمان نفسه كمؤسسة إلى ملاذ آمن، كما حصل في الآونة الأخيرة بالانتقال إلى قصر الأونيسكو، أو كما حصل أبان حرب عام 1975 حيث استقر البرلمان لنحو 15 عاماً في فيلا منصور في منطقة المتحف على “الخط الأخضر” الذي كان يفصل بين شطري بيروت الشرقي والغربي، كما كانت برلين بين عامي 1945 و1989.

على ما يبدو، إن الاحتمال الأول، هو الأرجح لأسباب عدة أبرزها، هو كما سلف أن الانتفاضة العارمة في 17 تشرين الأول وصلت عبر صناديق الاقتراع إلى داخل البرلمان. كما أن زمن النفوذ الشيعي الذي قام بعد عام 2005، بدأ هذه السنة مسار الانحدار. وإذا كان الرئيس نبيه بري، الرمز السياسي البارز لهذا النفوذ بالتوازي مع “حزب الله”، الرمز الأمني الأبرز، يبدو اليوم أشبه بمنطقة معزولة على الصعيد اللبناني. وإذا كان الثنائي الشيعي قد أحرز انتصاراً كاملاً في الانتخابات النيابية الأخيرة، مانعاً أي اختراق لمربع الـ 27 مقعداً المخصص للطائفة، إلا أنه تحوّل إلى غيتو، كتلك التي عزلت اليهود في العالم عن محيطهم، ما خلق أزمات لهم فاقت بكثير حماية الخصوصية التي كانت مبرراً لعزلتهم.

لا يزال الكثيرون ممن عاشوا في فترة الثمانينات من القرن الماضي، يتذكرون كيف عملت ورش إعادة تأهيل وسط العاصمة اللبنانية بكل همة كي تنفض عن العاصمة غبار حرب الـ 15 عاماً والتي وضعت أوزارها في اتفاق الطائف في خريف 1989. وقتذاك، كانت هناك شخصية مغمورة وراء هذه الورش، هو رجل الأعمال رفيق الحريري الذي صار في خريف 1992 رئيساً لوزراء لبنان. وما كان لوسط بيروت أن يعود إلى الحياة في ذلك الزمن لولا التغييرات الكبرى في المنطقة ما منح لبنان مظلة اتفاق الطائف وأنهى الحرب الداخلية وبعث بآخر رموز هذه الحرب، الجنرال ميشال عون إلى المنفى.

كم الفارق كبير بين لبنان المولود بعد عام 1989، وبين لبنان الآتي بعد انتخابات 2022. في الزمن الأول، جاء الانفراج الكبير في كل أزمات لبنان الذي عاش بعد ذلك، فترة ازدهار أعادته إلى ألق الازدهار الكبير منذ نشوء لبنان عام 1920. أما في الزمن الثاني، أي الحالي، فقد تسارعت الانهيارات لا سيما الاقتصادية والمعيشية بشهادة سعر صرف الدولار. واستباقاً لأيّ إحباط آتٍ لا ريب فيه، لا بد من التحضّر لانتفاضات عارمة قد تكون أشد وأدهى من تلك عرفها لبنان في خريف 2019. وإذا كان من قبلة لهذه الانتفاضات، فستكون ساحة النجمة مجدداً، كما كانت عبر الزمن منذ نشوء الساحة في عشرينيات القرن الماضي.

من عناوين الزمن الراهن، أن الجلسة الأولى لمجلس النواب هذا الأسبوع ترافقها ولادة صعبة ستأتي بثقة عسيرة تعيد انتخاب بري رئيساً للمرة السابعة للبرلمان، وذلك على التوالي ومن دون توقف منذ العام 1992.

أما الوافدون الجدد، فجاء بعضهم نتيجة الاحتجاج على بضعة سنتات اقترح وزير الاتصالات السابق محمد شقير إضافتها على خدمة “الواتساب”. لكنهم اليوم في مرحلة اكتشاف عالم تخطى فيه سعر صرف الدولار حاجز الـ 38 ألف ليرة لكل دولار، قبل أن يتراجع إلى ما دون الـ 30 ألف ليرة بفعل تدخل المركزي.

في المعلومات، إن النواب الذين تطلق عليهم تسمية “التغييريين”، لم يبلوروا بعد اجتماعات متتالية، إطاراً لعملهم المشترك الذي يفترض نشوء مكتب تنسيق وسكرتاريا تتابع نشاطهم. ما جرى الاتفاق عليه حتى الآن، هو عدم التصويت للرئيس بري. أما ما يطرح عن قيام إطار عمل مشترك مع القوى التي يصطلح على تسميتها بـ “السيادية”، فهناك توجه للتعامل “على القطعة”، وليس بـ “الجملة.”

في نهاية المطاف، بدأ جدار برلين اللبناني يتهاوى من حول ساحة النجمة. انها إشارة طيبة في زمن الشدائد. وكم يكون مريحاً أن تعود الحياة إلى صمت القبور في وسط بيروت، على أمل أن تنتصر الحياة على الانهيار في كل لبنان.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us