بلا أوهام: التفاوض بين الخطين 23 و29


أخبار بارزة, خاص 8 حزيران, 2022

كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:

بكل أسف لن تؤدي الحملات الإعلامية والسياسية، التي تؤكد امتلاك لبنان الحق في الخط 29 كاملاً إلا إلى المزيد من خيبات الأمل، لأن كل الوقائع في كل جولات التفاوض تشير إلى أن المفاوض اللبناني لم يتمسك يوماً بالخط 29 إلا باعتباره خطاً للتفاوض، فإذا حصل عليه كان الإنجاز الأكبر، وإذا لم يحصل عليه فإن الحد الأدنى المطلوب لنيل الحقوق اللبنانية في حقول الغاز يقع بين الخطين 23 و29 .

ويعاني لبنان وسيعاني على الأرجح، من مجموعة من المعوقات تعطي إسرائيل نقاط قوة إضافية وهي تسعى اليوم لاستغلالها، ضاربة عرض الحائط بالمفاوضات، إذ تقوم باستغلال التشتت اللبناني وتعدد الأجندات، وتستثمر في فشل المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية لفرض أمر واقع، تهدف من خلاله للبدء باستخراج الغاز من جهة ولتحييد الخلاف مع لبنان، أي لاستغلال المناطق المتنازع عليها، هذا في وقت يبقى لبنان أسير الشلل وفقدان القرار بالتفاوض، بفعل تكتيكات القوة الفعلية الممسكة بقرار التفاوض ومصيره أي حزب الله.

باستعراض موقف الحزب الذي يختبئ وراء الدولة وقرارها يمكن ملاحظة أن ما جرى في الأشهر الماضية كان تعبيراً عن عدم امتلاك أي مسؤول في الدولة القرار في عملية التفاوض، لا الرئيس ميشال عون المخول دستورياً التوقيع على أي اتفاق، ولا رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اندفع في مراحل محددة لإنجاز اتفاق الترسيم وفرمل نشاطه دون أي توضيح. فبعد أن أمسك الرئيس ميشال عون نظرياً بملف التفاوض وورثه من بري، وبعد أن أعلن أن الخط 29 هو خط تفاوضي، تمهيداً للتقدم في المفاوضات إلى بحث حقوق لبنان بين الخطين 23 و29، أتى تصريح النائب محمد رعد لينسف هذا التقدم وليعيد تظهير الصورة الحقيقية: ملف التفاوض هو حصراً بيد حزب الله، ومن يتولون التفاوض هم مجرد ناقلي رسائل بين الحزب والمفاوض الأميركي، والأخطر أن هذا التفاوض يسير على ساعة طهران في فيينا، وليس على ساعة لبنان الذي له مصلحة كبرى بإنجاز الترسيم والبدء بالتنقيب والاستخراج.

على إيقاع هذه الصفعات المتتالية، سيعود أموس هوكشتاين إلى بيروت قريباً، بعد استغاثة السلطة اللبنانية العالقة بين مطرقة حزب الله الممسك الحقيقي بملف التفاوض وسندان إسرائيل التي تريد أن تفرض أمراً واقعاً جديداً، بعد أن أنجزت كل التحضيرات اللوجستية للبدء باستخراج الغاز، فيما لبنان غارق في الشلل والفراغ والمحاصصة. ولا يتوقع في هذا الإطار أن يقدم هوكشتاين تصوراً جديداً للذي قدمه مكتوباً دون أن يلقى رداً لبنانياً رسمياً، وربما تكون الزيارة آخر زيارة يقوم بها إذا لم يتلق هذا الرد.

ويبقى السؤال: هل سيتم الإفراج عن المفاوضات في اللحظة الأخيرة، كي يحصل الترسيم، وتنطلق بالتالي دينامية عمل لبنانية للتنقيب والاستخراج، في توقيت يحتاج العالم فيه إلى إمداد الغاز بعد أزمة أوروبا التي تبحث عن بديل للغاز الروسي؟ الجواب قد يكون معروفاً، فالممسك الحقيقي بقرار الترسيم مرتبط بحسابات إيرانية تلعب بكل الأوراق على طاولة تفاوضها مع الولايات المتحدة الأميركية. والممسك بقرار الترسيم، يخشى منه لأن الاستخراج قد يملي نوعاً من التطبيع، وشكلاً من أشكال التعاون، باعتبار أن الاستخراج والتغويز والتصدير يمر عبر شبكة لوجستية واحدة في شرق المتوسط وصولاً إلى أوروبا، ويفترض التعاون بين جميع الدول المنتجة، وهذا ما يخشاه حزب الله، ولو كان الثمن إبقاء الغاز في جوف البحر، وحرمان الأجيال المقبلة من الاستفادة منه.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us