هل يكون رفع السرّيّة المصرفيّة المسمار الأخير في نعش الثّقة؟


أخبار بارزة, خاص 18 تموز, 2022

كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:

انتهت حلول الدّولة اللّبنانيّة، والأمور متروكة لحلول صندوق النّقد الدّولي. هذه الجملة قد تختصر الحالة النّقديّة الماليّة الّتي وصلنا إليها، فبعدما نهب الفاسدون والسّارقون الأخضر واليابس، وحَوّلوا البلد من سويسرا الشّرق إلى فنزويلا الشّرق، وَجدوا أخيرًا في صندوق النّقد العصا السّحريّة الّتي قد تنتشل البلد من الحفرة الجهنّميّة الّتي أوقعوه فيها.

على الرّغم من الأصوات المعترضة على خيار الرّكون إلى الصّندوق، استنادًا إلى تجارب سابقة لعدّة دول ولشروطه القاسية، إلّا أنّ الأكيد أنّ المسؤولين السّياسيّين بدأوا “متل الشّاطرين” بتنفيذ طلباته الكثيرة. فهُم يعملون على إقرار قانون “الكابيتال كونترول” بعد تأخّر نحو 3 سنوات، ويجهدون لإقرار الموازنة بأسرع وقت، والقيام ببعض الإصلاحات المتأخّرة؛ كما تمّ التوصّل إلى الاتّفاق مع صندوق النّقد على صعيد الموظّفين في نيسان الماضي.

وعلى لائحة شروط الصّندوق الطّويلة، الّتي تضمَن الوصول إلى الاتّفاق النّهائي، تعديل قانون سرّيّة المصارف. وهذا ما عمِلت عليه اللّجنة الفرعيّة في لجنة المال والموازنة، فأنجزت مشروع القانون المرسَل من الحكومة إلى مجلس النوّاب والمتعلّق بالسرّيّة المصرفيّة، بعدما أَدخلت بعض التّعديلات عليه؛ على أن تُعقد جلسة يوم الإثنين المقبل للبتّ به بشكل نهائي. وأعلن رئيس لجنة المال والموازنة النّائب ابراهيم كنعان، أنّ “من أهداف الاقتراح معالجة التهرّب الضّريبي والجمركي والفساد في الدّولة، والشّفافيّة المطلوبة على مستوى الحسابات المصرفيّة، فضلًا عن مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال”.

يُذكر أنّ لبنان اعتمد السرّيّة المصرفيّة بموجب قانون صادر بتاريخ 3 أيلول 1956، مع وجود المادّة 579 من قانون العقوبات الّتي تعاقب على إفشاء الأسرار من قِبل الأفراد الّذين يعلمون بها، بحكم وضعهم أو وظيفتهم أو مهنتهم أو فنّهم، من دون أن يكون هناك سبب شرعي أو استعمال لمنفعة خاصّة أو لمنفعة أخرى. وقد ساهمت هذه الخطوة بجذب رؤوس الأموال المحليّة والأجنبيّة والاستثمارات، ودعم الثّقة بالاقتصاد القومي وبالجهاز المصرفي، ما مَنح البلد مكانةً ماليّةً واقتصاديّةً استثنائيّةً، جعلته بمصاف الدّول المتمكّنة ماليًّا. كما انعكست إيجابًا على مناخ الاستقرار الاقتصادي، قبل أن يشهد اهتزازًا مزلزلًا دمّر ركائزه.

رغم المواقف المُثنية، إلّا أنّ فكرة رفع السرّيّة المصرفيّة قوبلت بالعديد من الاعتراضات، خشية فقدان جملة من المميّزات الّتي اكتسبها لبنان ونظامه المصرفي بفضلها. في هذا الإطار، أوضح كبير الاقتصاديّين في مجموعة “بنك بيبلوس” نسيب غبريل، لـ “هنا لبنان”، “أنّنا نعدّل القانون ولا نلغيه، وفي المبدأ من ليس لديه شيء يخفيه، لا تكون لديه مشكلة بالتّعديل”.

وشدّد على “أنّنا نخاف من الاستنسابيّة واستخدام هذا التّعديل لأهداف سياسيّة، لأنّ جزءًا من القضاء مسيَّس، ولذلك يجب إقرار قانون استقلاليّة القضاء قبل إقرار التّعديلات على السرّيّة المصرفيّة؛ مع التّنويه إلى أنّ استقلاليّة القضاء لا يجب أن تكون بحاجة إلى قانون لتُطبَّق”.

وذكر غبريل أنّ “لدينا الكثير من الاستثناءات لرفع السرّيّة المصرفيّة. على سبيل المثال، هيئة التّحقيق الخاصّة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، تطلب كلّ عام رفع السرّيّة عن عدد من الحسابات المصرفيّة، وهناك قائمة من الأسباب التّي تجيز لها طلب رفع السرّيّة. كما أنّ لبنان وقّع اتّفاقيّة تبادُل المعلومات الضّريبيّة مع بلدان منظّمة التّعاون الاقتصادي الأوروبي، وبالتّالي هناك عدّة استثناءات لرفع السرّيّة”.

وأعاد التّأكيد أنّ “هذا الإجراء يجب أن يكون مدروسًا وبتأنٍّ ولأسباب محدّدة، ولا يجب استخدامه لأسباب أخرى”. وعمّا إذا كان رفع السرّيّة المصرفيّة أحد الحلول الأساسيّة في مسار النّهوض، رأى الخبير الاقتصادي أنّ “هذه الخطوة هي من ضمن الإجراءات المسبَقة المتّفق عليها مع صندوق النّقد، إلّا أنّها لوحدها ليست الحلّ الاقتصادي للبنان، والخروج من الأزمة يتطلّب استعادة الثّقة”.

وفسّر أنّ “استعادة الثّقة تحصل من خلال إصلاحات بنيويّة جذريّة، لها علاقة بتحسين المناخ الاستثماري وبيئة الأعمال، رفع تنافسيّة الاقتصاد، إعادة تأهيل البنى التّحتيّة، توسيع حجم الاقتصاد، وقف التّهريب الجمركي ومكافحة التّهريب، وتطبيق قوانين لا تُطبَّق أو تُطبَّق جزئيًّا”، مبيّنًا أنّ “بالتّالي، رفع السرّيّة المصرفيّة لا يؤدّي إلى الخروج من الأزمة. هذا الإجراء لوحده غير كاف”.

الاستعانة بصندوق النّقد الدّولي ليست خطًأ، بل الخطأ هو الرّضوخ والتّسليم لكلّ طلباته، من دون المحافظة على واقع لبنان وخصوصيّته. والخطأ الأكبر ربط مكافحة تبييض الأموال والتهرّب الضّريبي برفع السرّيّة المصرفيّة، في حين أنّ لدينا من الهيئات والقوانين ما يكفي لإتمام هذه المهام. وسط هذه الخطوات، تبقى استعادة الثّقة الهدف الأوّل المنشود، في مسار استعادة الاقتصاد لعافيته. لكن هل يكون رفع السرّيّة المصرفيّة المسمار الأخير في نعش الثّقة؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us