فرنجية وباسيل مسيّرتا السيّد …لكن الرئاسة حقل لبناني لا إيراني


أخبار بارزة, خاص 18 تموز, 2022

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

لم يعد خافياً، أن هناك دفعاً سياسياً مصدره فريق الممانعة، وهي التسمية المرادفة لفريق “حزب الله”، يقضي بطيّ إمكان تشكيل حكومة جديدة، والتركيز بدل ذلك على انتخابات الرئاسة الأولى التي يقترب أوانها قبل 31 تشرين الأول المقبل؟ فهل لدى هذا الفريق، خطة محددة لمقاربة استحقاق الرئاسة الأولى؟

هناك بالفعل خطة. أما معرفة تفاصيلها، فأمر مرهون بصاحبها، ألا وهو الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله ومن ورائه إيران. إلا أن هناك دخاناً بدأ يتصاعد في الإعلام المحسوب على هذا الفريق ليشير إلى أن خيار السيد الرئاسي وقع على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، على أن يكون رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عرّاب العهد المقبل. فهل تكون مشيئة نصر الله، هي التي ستتحقق عام 2022، كما حصل عام 2016 بوصول الجنرال ميشال عون إلى قصر بعبدا؟

ليس هناك من يملك الثقة بمثل هذه المشيئة سوى السيد. ولأن الأخير هو من هو، تبدو التحركات الرئاسية لفريقه، مماثلة إلى حد بعيد لتلك المسيّرات التي أطلقها “حزب الله” الأربعاء الماضي باتجاه حقل كاريش النفطي والغازي في المياه الإسرائيلية. ووجه الشبه هنا، هو أن الحزب يستبق الانتخابات الرئاسية التي سينطلق السباق إليها رسمياً في أول أيلول المقبل، باقتحام السباق بمرشح ورديف. تماماً، كما يفعل الحزب، حيال النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل، باستباق بدء ضخ الغاز من حقل كاريش في أيلول القادم أيضاً.

في مقال سابق تحت عنوان “عون والسيد: خطة سريّة للاستحقاق الرئاسي؟” وورد فيه أن هذه الخطة “تقضي بجمع أوراق رابحة في ملف الترسيم البحري، بالتكافل والتضامن مع العهد الحالي. فإذا نجح يكون فرض انتصارًا استراتيجياً في ملف الرئاسة الأولى، كأن يوصل مثلاً وريث حليفه، أي النائب جبران باسيل، أو من يشبهه إلى قصر بعبدا. وإذا لم ينجح، يكون أخذ البلاد إلى مسار يعطل كل الاستحقاقات، بما في ذلك استحقاق الرئاسة الأولى.”

على ما يبدو، يتجه الحزب إلى الوضوح أكثر فأكثر في الكشف عن أوراقه بشأن الجبهتين التي فتحهما نصر الله في وقت واحد حول أيلول الرئاسي في لبنان، وأيلول الغازي في إسرائيل. ما يعني، أن هناك مرحلة متدرجة في التحركات التي تتخذ طابعاً سياسياً في لبنان، وأمنياً مع إسرائيل.

التقت تقديرات سياسية وديبلوماسية منذ إطلاق “حزب الله” مسيّراته في اتجاه حقل “كاريش”، أن طهران أرادت أن تبعث برسائل عشية وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة في أول زيارة له إلى المنطقة منذ وصوله إلى البيت الأبيض قبل عامين. لكن الرئيس بايدن غادر المنطقة، من دون أن يكون لهذه الرسائل نتائج. إلا أن ذلك لا يعني أن مسيّرات الأسبوع الماضي ستكون الأخيرة من نوعها.

تكامل التصعيد الأمني على الجبهة البحرية في جنوب لبنان، مع حشد الأوراق السياسية استعداداً للاستحقاق الرئاسي، يعني أن طهران التي فقدت الأكثرية البرلمانية عام 2022 والتي ربحتها عام 2018، وتباهى بها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، تريد تعويضها اليوم بجمع ملفيّ النزاع البحري والرئاسي.

في إطار التحمية اليومية تقريباً للملف البحري، أطل رئيس الكتلة البرلمانية لـ “حزب الله” محمد رعد بالأمس قائلاً: “لا نتمنّى الحرب لكنّنا جاهزون لها ومتهيّئون لها … سترون كلّ بأسِنا في الأيام المقبلة حين تُخطئون الخيار وتعمدون إلى العدوان”.

أما في إطار التحمية الرئاسية، فكتب نقولا ناصيف في “الأخبار” يقول: “حزب الله، يكاد يكون الفريق الوحيد الذي له مرشحان علنيان لرئاسة الجمهورية”. ونشر ناصيف محضراً بما قاله نصر الله في الإفطار الرمضاني الذي جمعه مع فرنجية وباسيل في 8 نيسان الماضي. فقد خاطب السيد ضيفيّه قائلاً: “اليوم الحزب أمام التزام جديد حيال فرنجية، يريده أن يحصل برضا باسيل على نحو ما حدث قبل ست سنوات. إذا لم يُنتخب فرنجية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، قد لا تسنح له الفرصة في ما بعد، في حين أنها تُسنح لباسيل”. ويقول ناصيف أن جواب باسيل كان نصف موافقة نهائية، في انتظار أن يحمل هذا الخيار في الوقت المناسب إلى التيار الوطني الحر لإجراء مناقشة له، في نهاية المطاف لن تقف حجر عثرة في طريق قرار الأمين العام لحزب الله.”

في سياق كل ما سبق لا بد من تسجيل الملاحظتين الآتيتين:

أولاً: ما زال “حزب الله” يتصرف على أساس أن له الكلمة النهائية في الاستحقاق الرئاسي، مستفيداً من أوراق بين يديّه تتمثل بقوى مسيحية تتصرف على أساس “فدا السيّد”، كما يمارس ذلك فعلياً العهد الحالي ووريثه جبران باسيل. وهذا ما ورد آنفاً، من التيار العوني “لن يقف حجر عثرة في طريق قرار الأمين العام لحزب الله الرئاسي”. لكن مصدراً في “التيار” نفى ما ورد في مقال ناصيف.

ثانياً، أكد نصر الله في إطلالته الأخيرة إنه صاحب قرار الحرب والسلم في لبنان. فهو، كما فعل في حرب تموز عام 2006، بدأ يمارس شبيهاً لتلك الحرب في تموز 2022، ولكن هذه المرة في البحر.

بالنسبة للملاحظة الأولى، لا بد من التذكير بأن وصول عون إلى رئاسة الجمهورية عام 2016، لم يكن ليحصل لولا دعم فريقين رئيسيين هما: تيار “المستقبل” بزعامة سعد الحريري، وحزب “القوات اللبنانية” برئاسة الدكتور سمير جعجع. ولكن اليوم، لم يعد الحريري موجوداً في المعادلة السياسية، في حين صار جعجع الرقم الأول مسيحياً على المستوى البرلماني. وهنا كان لافتاً إعلان جعجع أخيراً أنه “إذا أوصل المحورُ الآخر، مرشحاً له إلى بعبدا، أو مرشحاً يُصوّره على أنه حياديّ، فإنّنا سنَدخل في 6 سنوات إضافية من الغرق في جهنم.. نحن لن نستسلم…”

أما بالنسبة للملاحظة الثانية، فلن تكون حرب تموز عام 2006 مماثلة لحرب عام 2022، إذا ما نشبت بذريعة النزاع البحري. فبعد 16 عاماً، لم يعد نصر الله قادراً على تكرار عبارة “لو كنت أعلم”، بعد أهوال تلك الحرب، التي كادت أن تدمّر لبنان. لا بل إنه يعلم، كما يعلم مرشده الإيراني، أن الظروف تغيّرت كليًّا، وكذلك النتائج ستكون إذا ما وقعت الحرب مجدداً.

باختصار، بدا أن ما يطرحه “حزب الله” بشأن فرنجية وباسيل، كما لو أن الأخيرين مسيّرتان أطلقهما نصرالله نحو حقل التنقيب الرئاسي الذي سيبدأ العمل فيه بدءاً من أيلول المقبل. لكن كما أسقطت إسرائيل، مسيّرات الحزب الثلاث قبل أن تصل إلى حقل كاريش الأسبوع الماضي، سيجري حتماً إسقاط مسيّرتي السيد الرّئاسيّتين في الوقت المناسب لأن الاستحقاق الرئاسي هو حقل لبناني لا إيراني، وهذا واضح أكثر من أي وقت مضى.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us