لبنان والنموذج العراقي


كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:

لا تزال العبارة الشهيرة للرئيس الراحل كميل شمعون ماثلة في الأذهان إلى اليوم، وقد يستمر مفعولها قائماً ما دام لبنان والعراق يتقاسمان المعضلات ويعانيان من العوامل نفسها التي تبقيهما في ثلاجة الانتظار. دعا شمعون منذ عشرات السنين من سألوه عن مستقبل لبنان، إلى ترقّب ومتابعة ما يجري في العراق، وبقيت النبوءة صالحةً حتى يومنا هذا، فما أشبه معاناة العراق بمعاناة لبنان!

يعيش العراق اليوم على وقع مرحلة انتقالية صعبة، تلت ثورة شعبية عارمة تمّ إجهاضها بعد حين، من قبل قوى الأمر الواقع التابعة لطهران، وتلت أيضاً انتخابات نيابية حجبت الثقة عن القوى الحليفة لإيران وأدخلت إلى الحياة السياسية مكوّناً جديداً بقوة متواضعة لكن كافية للقول أنّ تغييراً كبيراً ينتظر العراق، سيتجاوز كلّ الخطوط الحمر، وكلّ أشكال الترويض المذهبية والطائفية. فحجم الفساد الذي مارسته الحكومات الموالية لإيران، فاق الوصف إلى درجة أنّه قوبل برفض شعبي لم يعد يعبأ بكل أشكال التخويف والتخدير.

ولقد طبّقت قوى الإطار الحليفة لطهران، معادلة المشاركة في الانتخابات، وتشكيل الحكومة في حال الفوز، وتعطيل تشكيل أيّ حكومة في حال الخسارة، وهذا تكريس لمنهج طُبِّق في لبنان بجدارة، ويتكرّر تطبيقه في العراق، ذلك على الرغم من أنّ حكومة مصطفى الكاظمي التي أشرفت على إجراء الانتخابات، نجحت في إنتاج برلمان بعيد عن الشبهة والتشكيك بنزاهة الانتخابات، ولكن على الرغم من ذلك مارست قوى الإطار تعطيلاً ممنهجاً أدى إلى استقالة الكتلة الصدرية، استعداداً لنزال في الشارع بدأ فور توجه قوى الإطار لتشكيل حكومة مستنسخة عن حكومات نوري المالكي، ولا يتوقع لهذا النّزال أن ينتهي قريباً.

وفي وقت كانت حكومة الكاظمي قد قطعت شوطاً في استعادة العراق لأنفاسه، على مستويات عدة، منها الداخلي الذي شهد مرحلة بداية بناء البنية التحتية، واستعادة هيبة الدولة والمؤسسات الأمنية والعسكرية، التي باتت في ظل حكومة الكاظمي تعمل بأجندة حماية الأمن الوطني بعد تحييد نسبي لقوى الأمر الواقع، وفي وقت نجح الكاظمي في ابتكار دور مستقلّ للعراق على المستوى الإقليمي، بعد غياب طويل، تحمل المرحلة المقبل إذا نجحت إيران في استيلاد حكومتها العراقية، مؤشرات العودة إلى الوراء، أي إلى ما قبل العام 2020، أي إلى لعب دور الملحق باستراتيجية إيران، وإلى هدر الإنجازات النسبية التي تحققت على المستوى الداخلي الأمني والاقتصادي، وسيكون هذا الأمر إن تحقق، أشبه بحركة مد وجزر ستعرّض البلد الغني بمقدراته الإنسانية والاقتصادية إلى أن يكون أسير حالة استنزاف دائمة.

في الحالة اللبنانية التي هي توأم المأساة العراقية، لا يختلف الوضع كثيراً رغم اختلاف الظروف والعوامل. فالتعطيل مستمر، ولو على أنقاض الانهيار الاقتصادي، وقرار الحكم مستتبع إلى درجة الانصياع الكامل، وينتظر لبنان المزيد من الانحدار والفوضى، لأن لا قدرة لاقتصاده الضعيف على مواجهة أزمة سببها الرئيسي اختطافه من عمقه العربي وموقعه في المجتمع الدولي، واستباحته بشتى أنواع الفساد.

ثورتان في بغداد وبيروت، وانقلاب مضاد على الثورتين لا تزال حلقات جديدة منه تنفذ، ولو عاش الرئيس شمعون إلى يومنا لتأمل في نبوءته، التي باتت نبوءة في الاتجاهين، إذ بات يمكن في قراءة مستقبل الملف العراقي، انتظار ما سيجري في لبنان، للمزيد من الوضوح في الرؤية والتحليل.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us