مبادرة التّغييريّين الرّئاسيّة… حبل إنقاذ أم تطبيع مع المنظومة؟


أخبار بارزة, خاص 17 أيلول, 2022

كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:

مِن “كلّن يعني كلّن” إلى “منِقعد معُن كلّن”، انتقل نواب التّغيير الـ13 خلال أشهرٍ معدودةٍ، بحجّة لَبنَنة الاستحقاق الرّئاسي ومواجهة شبح الفراغ. “استدارةٌ” استفزّت البعض الّذي وَضعها في خانة بيع المبادئ، والانخراط في منظومة هُم أنفسهم وَجّهوا سهام الاتّهامات ضدّها وهاجموها بشراسة مرارًا، فيما رأى البعض الآخر أنّها خطوةٌ إيجابيّةٌ وطنيّةٌ تهدف للإتيان برئيس إصلاحي إنقاذي، يُفرمل عجلة السّقوط ويضع القطار على سكّة الخلاص.

ففي ظلّ الجمود الرّئاسي الّذي لا يخرقه سوى اسمٍ من هنا أو عقدةٍ من هناك، على الرّغم من اقتراب موعد طَيّ صفحة عهد الذّلّ الحالي، ونظرًا لأهميّة الاستحقاق الرّئاسي المصنَّف مصيريًّا، أَطلق تكتّل نواب “قوى التّغيير”، مطلع الشّهر الحالي، “المبادرة الرّئاسيّة الإنقاذيّة”. وأعلنوا أنّ الهدف منها الوصول إلى اتّفاق على اسم شخصيّةٍ إنقاذيّةٍ تتوافر فيها المعايير والشّروط المطلوبة، وتحظى بفرصةٍ جدّيّةٍ لتبوّء سدّة الرّئاسة.

من هذا المنطلق، قرّر التكتّل عقد سلسلةٍ من المشاورات الشّعبيّة والسّياسيّة، في لبنان والاغتراب، لعرض المبادرة ومحاولة الوصول إلى النّتائج المرجوّة. في هذا الإطار، أوضح عضو التّكتّل النّائب مارك ضو، لـ”هنا لبنان”، أنّ “هذه المبادرة تهدف إلى تسريع انتخاب رئيسٍ إنقاذيٍّ للبنان، لوضع حلولٍ جدّيّةٍ وشاملةٍ للخروج من الأزمة الّتي نحن فيها”.

وشدّد على أنّ “أيّ تأخير بهذا الموضوع وخاصّةً الذّهاب نحو أيّ شكل من أشكال الفراغ أو التّعطيل، سيؤدّي إلى تدهور الأمور أكثر بكثيرٍ في لبنان. لذلك نحن نقوم بواجبنا وأكثر، ونتواصل مع الجميع، ونتخطّى مواقفنا المعلنة والمعروفة من قبل الكثيرين؛ لخدمة الشّعب اللّبناني وإنقاذه من انهيار أكبر”.

وفي ظلّ زحمة المواصفات الّتي يطرحها كلّ فريقٍ سياسيٍّ، ويشترط توافرها برئيس الجمهوريّة المقبل، وَضع نواب التّغيير بدورهم مواصفاتهم على بساط البحث، وحدّدها ضو بالآتي: “يجب أن يكون الرّئيس ملتزمًا بأولويّة الإصلاح بشكلٍ كبيرٍ، قادرًا على ترميم علاقات لبنان الدّوليّة لأنّنا بأمسّ الحاجة إليها، مِن خارج الاصطفافات المعرقِلة في لبنان، وأن يكون ملتزمًا بالدّستور ومستعدًّا لاستكمال تطبيقه، بالإضافة إلى أن يعطي أولويّةً للانفتاح والنّقاش مع كلّ القوى السّياسيّة؛ فيُضحي الجامع أو نقطة التّلاقي الّتي يمكنها أن تساعد على تخريج حلول جدّيّة للأزمات المتراكمة”.

يوم الإثنين الماضي، بدأ النّواب الـ13 الجولة الأولى من لقاءاتهم، الّتي شملت العديد من الأفرقاء السّياسيّين. ولفت النّائب المنتخَب عن دائرة جبل لبنان الرّابعة إلى أنّ “اللّقاءات عكست المسافات الموجودة بين المبادرة وكلّ كتلة نيابيّة، واليوم سنعقد اللّقاء الأخير مع حزب “القوات اللّبنانيّة”، ومن بعدها سنجري تقييمًا ونخرج بخلاصة؛ الهدف منها تحديد الخطوة المقبلة”.

وأشار إلى أنّ “برأيي، النّقاش الّذي حصل أوضح أنّ الجميع بحاجة إلى قنوات تواصل، لأنّ لا أحد لديه الحلّ أو القدرة عليه. نحن بتقاطعٍ مهمٍّ، ومسؤوليّتنا أن نساعد على ترجمته إلى حلول”، مؤكّدًا “أنّنا نقوم بواجبٍ هو تفعيل هذا التّواصل بين الجميع، فلا أحد يقوم به، ولا يوجد أيّ جهدٍ جدّيٍّ بالنّسبة للاستحقاق الرّئاسي، ما عدا المبادرة الّتي تطرحها قوى التّغيير، كي نتمكّن فعلًا من تجنّب الفراغ”.

لم تكن عاديّةً صُور نواب الثّورة والشّارع، مع رئيس “التّيار الوطني الحر” النّائب جبران باسيل وأعضاء كتلة “الوفاء للمقاومة”، الّذين شَيطنوا الثّورة وكالوا الاتّهامات والانتقادات بحقّها على مدى أعوام، ولا صُور لقائهم بنواب “الحزب التّقدمي الاشتراكي” الشّريك بمنظومة الفساد. ومستفزة كانت اللّقطات من اللّقاء الّذي جمع النّائب علي حسن خليل، المطلوب للقضاء بملف انفجار مرفأ بيروت، بالتّغييريّين الّذين يحملون لواء المطالبة بالعدالة لضحايا جريمة 4 آب.

جولاتٌ لم تلقَ استحسانًا أو قبولًا لدى شريحةٍ كبيرةٍ من جمهور 17 تشرين، الّذي آمن بمشروع النّواب التّغييريّين، وأَوصلهم إلى البرلمان لينقلوا صوته، ويعارضوا الطّغمة الحاكمة الّتي عاثت فسادًا وخرابًا، لا لكي يجلسوا مع مَن وَصفوه بفاقد الشّرعيّة والفاسد والنّاهب… كما وجد كثرٌ أنّ الشّعارات الثّوريّة البرّاقة الّتي تبنّاها العديد من نواب المعارضة الحاليّين خلال فترة الانتخابات النّيابيّة، تدخل في إطار الشّعبويّة، إذ أنّ الممارسات الحاليّة لا تتناسب مع فحواها.

غير أنّ ضو جزم أنّ “الاجتماعات ليست تبرئةً لأحدٍ أو تطبيعًا مع أحدٍ، بل هي بسبب حالةٍ طارئةٍ، فلبنان مُقبل على فراغٍ حكوميٍّ ورئاسيٍّ، فضلًا عن تعطيلٍ للمجلس النّيابي وانهيارٍ كبيرٍ”، مبيّنًا أنّ “أمام هذا الخطر الدّاهم، نحن نقوم بمبادرةٍ لمحاولة وضع حلٍّ إنقاذيٍّ من الآتي، الّذي قد يكون أسوأ بكثير من الواقع. وجع النّاس كبير جدًّا، وإذا لم نقدّم حلًّا بسرعة، فلا يمكننا أن نقول للنّاس “ما حاولنا”. نحن نقوم بواجبنا ونتمنّى أن يتحمّل الآخرون مسؤوليّاتهم”.

وعن الخطوة المرتقبة، في حال الاتّفاق على شخصيّة لا تتناسب مع مقاربة نواب التّغيير أو لائحة المواصفات الّتي حدّدوها، ذكر أنّ “هذا عمل ديمقراطيّ، وسنتابع بمشروعنا السّياسي التّغييري المناوئ للمنظومة، الّذي يطرح تغييرًا جدّيًّا على عددٍ من المستويات في البلد”، كاشفًا أنّ “الشّارع دائمًا أداةٌ أساسيّةٌ، ونؤمن به كقوّةٍ سلميّةٍ حقيقيّةٍ للتّغيير في البلد”.

كلّ ما نشهده من انهيارٍ على الأصعدة كافّة وغلاءٍ مستفحلٍ ورفع دعمٍ وسرقاتٍ وإضراباتٍ وتفلّتٍ أمني، يؤكّد أنّنا على بُعد أمتارٍ قليلةٍ من الارتطام الكبير، الّذي قد لا يكون هناك مجالٌ للوقوف بعده. فهل تكون مبادرة التّغييريّين الرّئاسيّة حبل الإنقاذ من حفرة الخراب، أم أنّها هدرٌ للوقت ومجرّد تطبيعٍ مقنّعٍ مع المنظومة؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us