الشامي لـ “هنا لبنان”: زيادة الرواتب مسمار جديد يدقّ بنعش الدولة اللّبنانيّة


أخبار بارزة, خاص 21 تشرين الثانى, 2022

كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:

عدم الإستقرار الّذي يعيشه المواطن اللّبنانيّ ينعكس سلباً على قدرته الشرائية، فهو يبحث في كلّ زاوية عن سبل زيادة إيراداته في ظلّ الأزمة. بالمقابل تحاول الدولة اللّبنانية تقديم طروحات من خلال زيادات ماليّة لإيرادات موظّفيها – الّذي استغلّ بعضهم غياب الرقابة لزيادة إيراداتهم بشكل غير شرعيّ – سواء برفع بدل النقل أو مساعدات معيشية أو اليوم إقتراح رفع الرواتب والأجور.

إلى أي مدى سيساهم رفع الرواتب والأجور في الحدّ من الرشاوى التي يتقاضاها بعض موظفي القطاع العام؟

الخبير الإقتصادي محمد الشامي وفي حديثٍ لـ “هنا لبنان”، أوضح أنّ الرشاوى غير مرتبطة بالراتب التي يتقاضاه الموظف داخل إدارات الدولة. لذا زيادة الرواتب لن تخفف منها، فمن خلالها يبتزّ المواطن وأصبحت في الآونة الأخيرة علنية أكثر. الرشاوى متأصلة ومتجذّرة في الدوائر اللبنانية وليست وليدة السنوات الأخيرة. الزيادة اليوم على الرواتب والأجور هي صوريّة، كون الأوراق النقديّة ليست ذات قيمة وتفقد في كلّ يومٍ يمضي قدرتها الشرائية.

مُضيفاً، الرسوم الجديدة التي لحظتها الموازنة – في معاملات الأحوال الشخصية والمعاملات التجارية -أثرها مباشر على المواطن، في ظلّ تخطّي لبنان 200% تضخّم وتضاعف مؤشر الأسعار أكثر من أربعة أضعاف خلال السنوات الثلاث الأخيرة. مُشيراً إلى أنّ القدرة الشرائية للمواطن تهاوت إلى ما دون صفر بالمئة – حتى إنها أصبحت محدودة بالأفراد الذين لديهم عائدات بالعملات الصعبة أي ليس أكثر من 17% من سكان لبنان – ونهشها سرطان الفساد والتضخم الحاصل والسرقة المُمنهجة.

إعتبر الشامي، أنّه من الناحية الصورية والوهمية الدولة اللّبنانيّة لديها القدرة على زيادة رواتب وأجور موظّفيها وكل فرد يتعاطى أي عمل مأجور معها؛ وذلك من خلال زيادة طبع الأوراق النقدية. لكن فعلياً، لا قيمة للأوراق التي تُصرف من قبلها للموظفين، كونه لا يوجد لا رغبة ولا إصلاحات فعّالة ولا إجراءات مُتّخذة؛ مع الإشارة إلى وجود المقدّرات لإعطاء قيمة لهذه الأوراق النقدية!

وفي نفس السياق، أكّد أن القطاع الخاص، دخل دورته الإقتصادية الخاصة وبدأ ببناء نفسه من خلال إستراتجياته الخاصة. اليوم التجار والشركات الخاصة، لم تعد تنتظر الإعتمادات اليومية من مصرف لبنان والأخرى التي على الدولة تأمينها من نقد الأجنبي.

أغلب الشركات والمتاجر تسعيرتها أصبحت بالدولار الأميركي، ومعظم رواتب موظّفي القطاع الخاص تمّت دولرتها؛ – مع الإشارة إلى أن الرواتب التي كانت تعطى على سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة، تدنّت ولكن أصبحت تعطى على سعر صرف السوق السوداء، فالألف دولار في السابق أصبح مثلاً ستمئة دولار- في لبنان نعوّل على إستمرارية القطاع الخاص لإستمرارية الدولة.

في سياقٍ منفصل، أردف الشامي إلى أنّه يصعب الحديث عن إيجابيات زيادة الرواتب، إلاّ إذا كانت إيجابيات وهمية؛ كزيادة حجم الأوراق بمتناول الموظفين؛ لكن الحديث الأكبر هو عن سلبيات هذه الخطوة. “سابقاً، عند طرح سلسلة الرتب والرواتب التي لم نكن نعرف إلى أين كانت ستقودنا، وحذّرنا بضرورة وضع خطّة شاملة ومتكاملة وليس الإعتماد على الشعبوية لإقرارها، ومع غياب الخطة كانت النتائج كارثية”. اليوم السيناريو نفسه يتكرر مع إقرار موازنة في الشهر الحادي عشر من السنة، – والتي بحسب القانون يفترض أن تقرّ موازنة جديدة لعام 2023 الغائبة عن الحسابات وعن الدراسات – فزيادة حجم القدرة النقدية في السوق لن نستطيع ضبطه، فتحويل الأموال عبر صيرفة تكتيك بسيط لا يمكن الإعتماد عليه.

وأكمل، أين هي إجراءات إعادة هيكلة القطاع العام التي عليها أن تترافق مع هذه الزيادة؟ على الأقل يجب على الدولة معرفة عدد موظّفيها، الزيادة اليوم هي مسمار جديد يدقّ بنعش القطاع العام! مؤكّداً أنّه لا يمكن إجراء تقييم فعليّ لمدى الإنعكاس السلبي لتقاضي الرشاوى على إيرادات الدولة، فالرشاوى جزء من الفساد الّذي أثّر بحدّ ذاته على تلك الإيرادات.

وجزم الشامي أنّ الدولة أثرت على نفسها، فمؤسسات الدولة لا تعمل بظلّ غياب الكهرباء والمحروقات والقرطاسية وذلك بسبب تزايد فساد المنظومة الحاكمة التي أوصلتها إلى هذه النتيجة، ففساد الموظّفين يساهم بهدر الإيرادات من خلال الإستنسابية والإنتقائية بتسهيل المعاملات ويؤثر على كميّتها.

زيادة الرواتب والأجور لن تحدّ من فساد بعض الموظفين، وإذا كانت الزيادة حقيقية وواقعية ستسبب بالفساد الإضافي من خلال إقبال الأفراد على وظائف عامّة لضمان مستقبلهم وإستقرارهم؛ غير أنّ إعادة هيكلة القطاع العام، وإعادة تفعيل مجلس الخدمة المدنية على أساس الكفاءة وإبعاده عن الإستنسابية الطائفية والحزبية، الوسيلة الكبرى للحدّ من الفساد.

خاتماً، تفعيل الرقابة والتفتيش، وإعادة النظر بالتقديمات والرواتب، وإدخال المكننة والحوكمة الرشيدة؛ – يساهمان بالحدّ من الفساد والهدر الماديّ والبشريّ – ضمن خطة إعادة هيكلة القطاع العام هي التي ستعيد المجد لمؤسسات الدولة اللبنانية، للوصول إلى قطاعٍ أفضل.

هدر، فساد، تضخّم، رشاوى، سرقات، غياب خطط فعلية وقدرة شرائية؛ والمطلوب واحدُ، الإرادة التي تغيب هي أيضاً مع منظومة سياسيّة فاسدة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us