الضمان الإجتماعي المُنهار ينزف بعبئهِ على المنتسبين


أخبار بارزة, خاص 28 تشرين الثانى, 2022

كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:

عندما أنشأ الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي كان هدفه تقديم الرعاية الإجتماعيّة للّبنانيّين. ومع تقديماته الماليّة كتغطية فواتير الإستشفاء والتقديمات العائلية وتعويض نهاية الخدمة، وحماية حقوق المنتسبين من خلال إرتباطه بالقانون، عاش المواطن باستقرار. الى أن جاءت الأزمة الإقتصادية مترافقة مع إنهيار الدولة ومؤسساتها، وأرخت بثقلها على الصندوق فتحوّل عبئاً على كاهل الدولة تزامناً مع إفتقاده لثقة المواطنين. فكيف ينعكس الإنهيار الإقتصادي على الصندوق؟

للإحاطة أكثر بهذا الموضوع تواصلنا في “هنا لبنان” مع منسّق اللّجنة القانونية في المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، المحامي الدكتور “جاد طعمه” الّذي أشار إلى أنّ كلّ تغطيات الضمان الإجتماعي اليوم فاقدة لقيمتها بسبب تكلفة المستشفيات وأتعاب الأطباء المرتفعة، قيمة الأجور غير الواقعية وإنخفاض قيمتها الشرائية واعتبرها “رواتب متهالكة”، وعدم إعتماد سياسة فعليّة لزيادة الإشتراكات.

وأردف، فرع المرض والأمومة من أكثر الفروع التي تؤثر سلباً على المنتسبين، وهنا الحديث يطول، كون الطبابة أصبحت حكراً على الأغنياء. 75% من اللّبنانيّين تحت خط الفقر، والصندوق الوطني يؤمّن إستشفاء 35% من اللّبنانيّين. كارثة إقتصادية موصوفة لكلّ عائلة يريد أحد أفرادها إجراء عملية جراحية بسبب التكاليف الباهظة أو عدم إجرائها. قانوناً، الفاتورة الإستشفائية تغطّى بنسبة 90% من الصندوق و10% من قبل المستفيدين، وهذا الأمر لا يحدث فعلياً؛ لذا على الدولة التدخل لإيجاد حلّ لهذه المعضلة المتعلّقة بالحقّ بالحياة.

بدوره أشار رئيس الإتحاد العمّالي العام “بشارة الأسمر”، أنّ التعويضات العائلية كانت تستوفى بمقدار 20% من الحد الأدنى للأجور للزوجة و11% للأولاد – وذلك وفقاً للمرسوم 1348 الصادر في 13/6/1991 – عندما كان الحد الأدنى للأجور ثلاث مئة ألف ليرة. غير أنّ تعديل هذا المرسوم في العام 2001 ليصبح مبلغاً مقطوعاً، 60.000 ليرة للزوجة و 33.000 ليرة للولد على أن لا تتعدى العائلة الخمس أولاد.

مُتابعاً، بعد التداول مع الدكتور “محمد الكركي” مدير عام الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي والمسؤولين الماليين في الضمان والمطالبة بأن تكون الزيادة نسبية لما كانت عليه قبل العام 2001؛ توصلنا إلى نتيجة زيادة ثلاثة أضعاف التعويضات العائلية، حفاظاً على التوازن المالي.

وذلك بعد توجيه كتاب للكركي، وعرضه بدوره على مجلس الإدارة والموافقة عليه. وصرّح الأسمر “لو مهما أعطينا للأجير لا يكفيه ويبقى قليلاً، لكن أيضاً لا يمكننا أن نعطيه شيكات دون رصيد، ففي حال ربطنا التعويضات بالحد الأدنى للأجور وأفلس الصندوق، ما مصير المستخدمين؟”

من ناحية أخرى، أشار إلى أنّ الحد الأدنى للأجور المسموح التصريح به للضمان، 2.600.000 ليرة، والضمان لا يقبل لا إشتراكات ولا تصاريح بأقل من هذا المبلغ.

إعتبر الأسمر أنّهم كإتحاد يقومون بما عليهم رغم معرفة الجميع بالأوضاع الصعبة، فالإنهيار شامل ويشمل كل مرافق الدولة. مُشيراً إلى أنّه عند إتّفاق الهيئات الإقتصادية على الزيادات المالية، طرح عليها زيادات أكثر ولكن أصرّت الهيئات أن تدخل الزيادات بصلب الرواتب، ويتمّ التصريح عنها داخل الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.

من جهته إعتبر “طعمة” أنّ المشكلة الأساسية هي ديون الدولة للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي منذ ما قبل الأزمة – التي تمّ الموافقة على تقسيطها في الموازنة الجديدة – غير أن ّالمبالغ التي كانت قيمتها تساوي مئات ملايين الدولارات أصبحت اليوم قيمتها شبه معدومة مع إنهيار العملة الوطنية. ورغم إعتباره مركزاً خدماتياً غير أنّ الصندوق يعاني من معارك سياسيّة؛ فالمحاصصة بين أهل السلطة تنعكس سلباً على مؤسسات الدولة.

بينما ختَم “الأسمر” بالتأكيد أنّ إشتراكات المنتسبين تضاعفت أربع مرّات، بعد أن كان 55% فقط من أرباب العمل يصرّحون على تقاضي الأجير راتباً لا يتعدّى مليون ليرة. ولكن التصاريح الجديدة، زادت نسبياً الإشتراكات وزاد مدخول الصندوق نحو ألف وستمائة مليار ليرة، مما ساعد على رفع تعرفة الإستشفاء وأصبحت مضروبة بثلاث مرات بعد أن كانت نحو عشرة بالمئة من الفاتورة الإستشفائية في الفترة الأخيرة.

أكّد “طعمه” أنّ الحلول المقترحة حالياً، تمكين الدولة من تقسيط دين الضمان أو إعادة تسديد بعض العائدات للضمان، أو من خلال المشاريع الموضوعة لرفع الإشتراكات التي رغم زيادتها ثلاثة أو أربعة أضعاف تبقى لا قيمة لها بظلّ التضخّم المالي.

وأكمل/ بوجود دولة تعتبر نفسها أنّها بحالة إفلاس، وتتصرّف بلامبالاة وتتعاطى مع الإستحقاقات الدستورية بخفّة -وعدم انتخاب رئيس للجمهورية الدليل الأبرز عن شعور أهل السلطة بمعاناة الشعب مع الإشارة إلى أنّ أعضاء النادي السياسي اللّبناني يعتبرون من أغنياء العالم- هناك حاجة لإطلاق صرخة مدوّية لكي يسمعها من لديه ذرّة من الحسّ الإنساني؛ لأن العلاج يبدأ من مجلس النواب من خلال سنّ تشريعات تُحاكي الأزمة والواقع ولا تكون حلولاً تجميلية لواقعٍ بشع.

خاتماً، البداية تبدأ من إنتخاب رئيس جمهورية من أجل تشكيل حكومة والمحافظة على الأمور غير المنهارة لأنّ المسار اليوم صعب مع قانون متهالك وقضاء معتكف وإنهيار المؤسسات العامة ونواب بحالة غيبوبة وانفصام تام عن الواقع.

إذاً قراراتٌ جديدة إتّخذها الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، في ظلّ الإنهيار القائم في محاولة للتخفيف من حدّة الأزمة. غير أنّها ليست سوى قرارات آنية لا تساهم في حلّ المشكلة من جذورها.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us