ما قاله الراعي في روما ليس عظة بل إنذار


أخبار بارزة, خاص 28 تشرين الثانى, 2022

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

هل هي صدفة أن يحصل هذا الحوار غير المباشر الذي جرى الأحد بين البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وبين وزير الصناعة النائب جورج بوشكيان؟ فالأخير أعلن من بيروت :”لا أرى رئيساً للجمهورية في هذه السنة”. وجاء الجواب من البطريرك الماروني الذي لم يكن قد وصل إلى أسماعه ما صرّح به الوزير: “لماذا يدعي البعض أن انتخاب الرئيس ممكن بعد رأس السنة؟ فما الذي يمنع انتخابه اليوم؟ فهل سيتغير العالم سنة 2023؟”

إذاً، كلام البطريرك في روما وفي الوقت نفسه كلام الوزير في بيروت، كشفا المستور في الانتخابات الرئاسية التي تجاوزت مهلتها الدستورية الأصلية في نهاية الشهر الماضي. وها هي فترة الشغور الرئاسي تقارب الشهر ولا يبدو أنها ستنتهي قريباً، فكان هذا الحوار غير المباشر بين بيروت وروما.

قبل المضي قدماً في الوقوف عند “أخطر عظة” كما وصفها المراقبون والتي ألقيت في “أخطر موقع كنسي” على المستوى العالمي، لا بد من الإشارة سريعاً إلى أن وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال، وهو المشهود له في عالم الصناعة كما تقول سيرته الذاتية، هو ممثل حزب الطاشناق المتحالف مع “التيار الوطني الحر” الذي هو حليف “حزب الله”. وعندما يصرّح جازماً على ما يبدو أنه “لا يرى رئيساً للجمهورية في هذه السنة”، فهو ينقل معلومات في أقل تقدير من حزبه الذي تصل تحالفاته إلى “حزب الله”. ولا مبالغة في القول أن الحزب أوحى في أكثر من مناسبة أن لا انتخابات رئاسية هذه السنة التي ستشارف على الانتهاء الشهر المقبل. ومن هنا كان سؤال البطريرك: “هل سيتغير العالم سنة 2023؟”

من موقعه الذي لا تضاهيه فيه أي مرجعية روحية في لبنان، هناك الكثير الذي يعلمه البطريرك. لكن لجوءه إلى السؤال بدلاً من قول الأمور كما هي، هو من باب الحنكة التي لا تريد قطع الجسور بين الأطراف الفاعلة في لبنان، ومن بين أهم هذه الأطراف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي هو في الوقت نفسه زعيم حركة “أمل” التي تمثل النصف الثاني من الثنائي الشيعي الذي يضم أيضاً “حزب الله”.

خلافاً للحوار غير القائم، وإن قام فبشيء من خفر بين بكركي وبين قيادة “حزب الله”، هناك حوار ثابت ومستقر بين المرجعية المارونية وبين الرئيس بري بصفتيه الرسمية والسياسية. من هنا، كان موقف المرجعية المارونية لعله الأكثر وضوحاً وحزماً منذ بدء أزمة الانتخابات الرئاسية، أعلنه البطريرك بالأمس من حاضرة الفاتيكان، عندما صرّح في خلال القداس الاحتفالي الذي ترأسه في كنيسة مار مارون في المعهد الحبري الماروني في روما: “الدستور بمادته 49 عن انتخاب الرئيس بثلثي الأصوات في الدورة الأولى، وفي الدورة التالية وما يليها بالأغلبية المطلقة (نصف زائداً واحداً). فلماذا إقفال الدورة الأولى بعد كل اقتراع وتعطيل النصاب في الدورة التالية خلافاً للمادة 55 من النظام الداخلي للمجلس؟”

إذاً، ما طرحه رئيس الكنيسة المارونية حول ما يتعلق بالمادة 49 الدستورية والمادة 55 من النظام الداخلي لمجلس النواب، ليس يشبه ما يطرحه في صورة مماثلة أكثر من نائب في البرلمان، كما حصل مراراً. فهذا الطرح يأتي من خارج سياق الجدل البيزنطي الذي يغرق فيه البرلمان حالياً، فلا يعود هناك من أثر للدستور أو النظام الداخلي، وإنما التشاطر في طرح الحجج والحجج المضادة.

السؤال الذي تطرحه عظة روما: هل ستصل الرسالة إلى من يعنيه الأمر في لبنان، وتحديداً رئاسة المجلس النيابي؟

تجيب أوساط نيابية على علاقة طيبة مع الرئيس بري فترى أن البطريرك ضرب على “وتر حساس” عندما سأل: “لماذا رئيس مجلس النواب ينتخب بجلسة واحدة وحال موعدها؟ ولماذا يتم تكليف رئيس الحكومة فور نهاية الاستشارات الملزمة؟ أهما أهم من رئيس الدولة؟”

وتعترف هذه الأوساط، أن ما أثاره البطريرك في عظة روما ليس إنتقاداً لمجرى الانتخابات الرئاسية غير المنتجة وإنما هو “إنذار” لما ستؤول إليه أحوال لبنان لاحقاً الذي يتجه إلى تصعيد غير مسبوق في أزماته كافة وفي مقدمها الأزمة المعيشية.

كي لا يبدو أن تصويب البطريرك محصور بالرئيس بري، ترى هذه الأوساط أن الطرف الفعلي الذي يقف في وجه الانتخابات الرئاسية ويمنعها من الوصول إلى نتيجة هو “حزب الله” الذي أبلغ جهات عدة في الداخل والخارج، أن الخاتمة للانتخابات الرئاسية إذا كان لها أن تتحقق، فهي لن تكون خارج قرار طهران. وآخر الشواهد على موقف الحزب ما ورد قبل أيام في موقع “العهد الإخباري” الإلكتروني التابع للحزب، حيث جاء: “أنَّ الكتل الموجودة في البرلمان اللبناني عبارة عن مجموعات متنوعة، سواء التقت أو لم تلتقِ في خيارات محددة، لكنها تحسم بشكل كامل المعركة الرئيسية في حال تبدلت الهمسات الخارجية لدى البعض وساروا بحسب معايير تم تحديدها بشكل واضح في المرحلة الأخيرة وتستند إلى خطوط حمراء حددتها المقاومة لكي يعيش لبنان مرحلة قادمة مستقرة.”

ووصل الأمر بإحدى وسائل الإعلام التابعة لـ “حزب الله” إلى القول قبل أيام: “إذا كان ثمة ثمن مفترض يُسدّد إلى نصرالله كي يتخلى عن فرنجية ويسهّل انتخاب الرئيس، مَن يملك في الداخل أو الخارج أن يدفعه؟ لا يملكه أيضاً المحسوب أنهم المؤثرون في انتخاب الرئيس اللبناني وهم الأميركيون والفرنسيون والسعوديون. البعض الدائر في فلك الحزب يقول: إلى الآن لم يقبض ثمن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.”

مرة أخرى، السؤال المطروح: هل من سيتلقف الإنذار الذي أطلقه البطريرك الماروني من روما؟ يبدو على الأقل أن لبنان خطا في عظة البطريرك خطوة إلى الامام على طريق الوضوح، ما يعني نزع القناع عن لعبة النصاب التي هي وسيلة الإمساك بالاستحقاق الأخطر على مستوى المؤسسات في لبنان.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us