السّدود الفاشلة في عين الكوارث الطّبيعيّة… هل من داعٍ للهلع؟


أخبار بارزة, خاص 20 أيلول, 2023

لم يكتفِ النّائب جبران باسيل بهدر مليارات الدّولارات على تجربة السّدود اللّبنانيّة الّتي أثبتت فشلها، ولا بتحوُّل سدّ المسيلحة “المنشّف” إلى مرعى للمواشي، بل جريًا على عادته وبوقاحةٍ مشهودٍ لها، أعلن في 7 أيلول الحالي، أنّ سدَّي المسيلحة وبلعا توقّفا بسبب 17 تشرين والنّكد السّياسي

كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:

بين قصص العِشق السّياسيّة، لا تزال قصّة “باسيل والسّدود” تتصدّر قائمة الأكثر رواجًا واستمراريّة. فرئيس “التّيّار الوطني الحر” يُصرّ في كلّ مناسبةٍ وخطابٍ سياسيٍّ، على التّشدُّق بالكلام عن بناء سدودٍ جديدةٍ مستقبلًا، ضاربًا بعرض الحائط كلّ الدّراسات العلميّة الموضوعيّة الّتي تؤكّد عدم ملاءمة السّدود مع التّكوين الجيولوجي في لبنان وطبيعة الأرض وحركة الفوالق.

لم يكتفِ النّائب جبران باسيل بهدر مليارات الدّولارات على تجربة السّدود اللّبنانيّة الّتي أثبتت فشلها، ولا بتحوُّل سدّ المسيلحة “المنشّف” إلى مرعى للمواشي، بل جريًا على عادته وبوقاحةٍ مشهودٍ لها، أعلن في 7 أيلول الحالي، أنّ سدَّي المسيلحة وبلعا توقّفا بسبب 17 تشرين والنّكد السياسي، مؤكّدًا أنّه “طالما فيّي عِرق بينبُض، بدّنا نخلّص كلّ السّدود”. ليس غريبًا على الصّهر ألّا يتخلّى عن مشاريع تعوم فيها الصّفقات والجيوب، وألّا يعترف بفشله، وأن يلصق كلّ تقصيرٍ بأيّ فريقٍ أو عاملٍ آخر، وأتَته ثورة 17 تشرين الأوّل 2019 على طبقٍ من فضّة.

السّدود الفاشلة عادت إلى الواجهة من جديدٍ، بعد السّيول والفيضانات الهائجة الّتي غمرت ليبيا إثر انهيار سدَّي وادي درنة- أبو منصور ووادي درنة، في أعقاب إعصار “دانيال” الكارثي، وبعد الزّلزال المدمّر الّذي هزّ مدينة مراكش المغربيّة ليل 8 أيلول الحالي. هاتان الكارثتان الطّبيعيّتان اللّتان خلّفتا آلاف القتلى والمصابين، بالإضافة إلى آلاف المفقودين وخسائر مادّيّة هائلة، دفعتا شريحةً من اللّبنانيّين للتّساؤل عن خطر السّدود المائيّة في لبنان، في حال وقوع أيّ كارثةٍ طبيعيّة.

في هذا الإطار، يؤكّد الباحث والأستاذ المحاضر في الجيولوجيا وعلم الزّلازل الدّكتور طوني نمر، في حديثٍ لـ “هنا لبنان”، أنّ “في حال حصول زلازل في لبنان لا سمح الله، فالاهتزازات القويّة ممكن أن تُلحق ضررًا بالسّدَّين الموجودَين عمليًّا أيّ سدّ شبروح وسدّ القرعون. فإذا كانا يحتويان على نسبةٍ كبيرةٍ من المياه، يمكن أن يتدمّرا خلال وقتٍ قصيرٍ، وبالتّالي المياه الّتي ستشقّ طريقها نزولًا نحو البحر، ستمُرّ بطريقةٍ جارفةٍ وعنيفةٍ جدًّا، ما سيُسفر عن أضرارٍ جسيمةٍ على صعيد البشر والممتلكات.

ويوضح أنّ “في حال هطول أمطارٍ غزيرةٍ جدًّا وتشكّل الأعاصير، قد تتجمع كميّةٌ كبيرةٌ من المياه خلف السّدّ إلى درجة التّدفّق منه والوصول إلى أساساته وتدميره بسرعةٍ كبيرةٍ جدًّا. في هذه الحالة، لا يمكن القيام بشيءٍ سوى إخلاء المناطق الموجودة تحت السّدّ على وجه السّرعة”.

ويشدّد نمر على أنّ “الزّلزال يفاجئنا ولا يسمح لنا باتخاذ أيّة تدابير فاعلة أو إجراءاتٍ احترازيّة. أمّا النّقطة الإيجابيّة في حالة العواصف القاسية والأعاصير، فهي أنّ المعنيّين سواء موظّفي المصلحة الوطنيّة لنهر اللّيطاني بالنّسبة لسدّ القرعون، أو موظّفي “مؤسّسة مياه بيروت وجبل لبنان” بالنّسبة لسدّ شبروح، يكونون على درايةٍ بأنّ منسوب المياه في السّدّ يرتفع بوتيرةٍ سريعةٍ وبأنّها بدأت تتدفّق منه، ما يخوّلهم الاستفادة من الوقت لتوجيه إنذاراتٍ إلى النّاس للابتعاد عن الرّقعة الّتي يُتوقّع أن تجرفها المياه في حال انهيار السّدّ”.

لا يقتصر خطر السّدود على هذا الحدّ، إذ أنّها ممكن أن تشكّل، بسبب موقعها، محفّزًا لوقوع زلازل مدمّرة. وكانت قد نشرت المجلّة العلميّة الدّوليّة “Engineering Geology” في عام 2022، دراسةً عن مشروع سدّ بسري من قِبل مجموعة باحثين في الجامعة الأميركيّة في بيروت، بعنوان “تقييم احتماليّة حدوث الزّلازل النّاتجة عن الخزّان من مشروع سدّ بسري في لبنان”، خلُصت إلى أنّ “مخاطر الزّلازل النّاتجة عن بحيرة سدّ بسري عالية للغاية”.

في هذا السّياق، يشير الباحث الجيولوجي إلى أنّ “السّدود قد تتسبّب بحدوث زلازل. لكنّنا أجرينا دراساتٍ عدّة، أظهرت أنّ سدّ القرعون لا يؤثّر على فالق اليمّونة، لأسبابٍ عدّة منها أنّ كميّة المياه خلف السّدّ قليلة نسبةً لضخامة الفالق، وغير كافيةٍ لتحفيز الحركة عليه؛ وبالتّالي لا خوف على فالق اليمّونة من سدّ القرعون. كما أنّنا لا نعتقد أنّ سدّ شبروح يؤثّر على الفالق الموجود هناك”.

ويشرح أنّ “بالنّسبة إلى سدّ بسري، فهو مصمَّم ليُبنى على ملتقى فالقَين زلزاليَّين (فالق بسري وفالق روم)، حيث نقطة ارتكاز زلزال 16 آذار 1956، بقوّة 5.8 درجات”، مؤكّدًا أنّ “الموقع خطيرٌ جدًّا من حيث إمكانيّة تحفيز مياه السّدّ للحركة الزّلزاليّة على الفوالق الموجودة”.

نمر الّذي يَعتبر أنّ سدّ المسيلحة فاشل حكمًا، وأنّ اختيار موقع سدّ بلعا غير موفَّق على الإطلاق، والجدوى الاقتصاديّة منه غير موجودة، يلفت إلى “أنّني لست ضدّ السّدود بالمطلق، لكنّ الطّريقة الّتي بُنيت وتُبنى فيها السّدود في لبنان، لناحية المواقع والمقاربة خاطئة، ولا تأخذ بالاعتبار العناصر العلميّة البديهيّة. موضوع السّدود المائيّة كما هو قائم، فاشل، لكن يمكن مناقشة أسباب هذا الفشل وتفاديها في المشاريع المقبلة”.

في الماضي، عُرف لبنان بـ”خزّان مياه الشّرق الأوسط” نسبةً لوفرة المياه فيه، لكنّه اليوم أصبح يشحذ القطرة، وتعجّ طرقاته بالصّهاريج، في ظلّ سوء إدارة القطاع وفشل خطّة السّدود بعد صرف ميزانيّاتٍ ضخمةٍ واغتصاب البيئة. وهذه السّدود باتت أكثر من أيّ وقتٍ مضى في عين الكوارث الطّبيعيّة… فهل من داعٍ للهلع؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us