هل تجري رياح قطر بما تشتهي سفينة برّي؟
على بُعد أيّامٍ من إطفاء الفراغ شمعته الأولى سيّدًا لقصر بعبدا، يزداد المشهد السّياسي العام ضبابيّةً، فيما الوضع الأمني ورغم بعض التّطمينات، تنبطق عليه مقولة “ما تهِزّني واقف عَ شوار”.
كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:
يبدو أنّ رياح الخارج المستجدّة، تجري بما لا تشتهي سفينة رئيس مجلس النّواب نبيه برّي الحواريّة. فما رَشَح عن اجتماع اللّجنة الخماسيّة حول لبنان في نيويورك الأسبوع الماضي، من انقساماتٍ وتبايناتٍ بوجهات النّظر، ونتائج يمكن وصفها بالمخيّبة للآمال، وغيابٍ مستغرَبٍ لأيّ بيانٍ ختاميٍّ، حَرَف مبادرة الحوار عن مسارها التّفاؤلي؛ وقرّب المبادرة الفرنسيّة خطوةً نحو رفع راية الاستسلام.
فعلى بُعد أيّامٍ من إطفاء الفراغ شمعته الأولى سيّدًا لقصر بعبدا، يزداد المشهد السّياسي العام ضبابيّةً، فيما الوضع الأمني ورغم بعض التّطمينات، تنبطق عليه مقولة “ما تهِزّني واقف عَ شوار”. فحوار الأيّام السّبعة الّذي أعلنه برّي في نهاية آب الماضي، في محاولةٍ لكسر الجمود في الملف الرّئاسي، لم ينعقد في شهر أيلول الحالي كما كان مقرّرًا، وسط معارضةٍ قوّاتيّةٍ وكتائبيّةٍ حاسمةٍ له، ورفضٍ برتقاليٍّ مشروطٍ بمعايير أو ظروف حدّدها رئيس “التّيّار الوطني الحر” النّائب جبران باسيل؛ تؤمّن نجاح الحوار على حدّ قوله.
لم تقتصر المعارضة المسيحيّة على هذا الحدّ، بل حمَل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي أيضًا راية رفض الحوار، مؤكّدًا أنّ “الحوار هو في التّصويت في المجلس النّيابي، وهو الانتخاب”، وأنّ الحوار بِمَن حضر “ما إلو طعمة”. هذه الحواجز أعاقت جزئيًّا مبادرة برّي عن إكمال طريقها نحو البرلمان، وعزّزت السّؤال عمّا إذا كان من الممكن أن يدعو رئيس المجلس لحوارٍ بظلّ رفضٍ مسيحيٍّ شرس؟
في هذا السّياق، يشير عضو كتلة “التّنمية والتّحرير” النّائب قاسم هاشم، في حديثٍ لـ”هنا لبنان”، إلى أنّه “عندما يقول برّي إنّه يسعى إلى مشاركة الجميع، وأنّ الحوار يجب أن يكون منتِجًا ويساهم في إنهاء حالة الشّغور، فهذا يعني أنّ هناك أُسسًا لهذا الحوار، وهو ينتظر المواقف النّهائيّة لجميع الأفرقاء ليقول الكلمة الفصل”، مشدّدًا على أنّ “الّذين يرفضون الحوار حتّى الآن، يتحمّلون هُم المسؤوليّة، لأنّ البلد لا يحتمل المزيد من المماطلة وإضاعة الوقت والتّصلّب في المواقف وإدارة الظّهر للأزمة”.
بعد النّهاية الدراماتيكيّة لاجتماع نيويورك الّذي عقده أعضاء اللّجنة الخماسيّة، المؤلّفة من فرنسا، الولايات المتّحدة الأميركيّة، قطر، السّعوديّة ومصر، والّذي لم يخرج بأيّ تصوّرٍ واضحٍ ومفصليٍّ على صعيد الملف الرّئاسي، صدرت تحليلات بأنّ النّعي غير المعلَن للمبادرة الفرنسيّة، يعني إجهاضًا ضمنيًّا لمبادرة برّي.
غير أنّ هاشم يضع ما سبق في سياق “التّحليلات لا أكثر ولا أقل”، موضحًا أنّ “الفرنسيّين لم يُعلنوا حتّى اليوم انتهاء مبادرتهم، والموفد الفرنسي جان إيف لودريان أَعلم الجميع خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، أنّه سيعود مع بداية الشّهر المقبل، وهذا تأكيدٌ على الاستمرار في المبادرة الفرنسيّة”.
ويلفت إلى أنّ “برّي يتوخّى مصلحة البلد والإسراع في إنجاز الاستحقاق، وكان واضحًا في دعوته للحوار بأنّه يسعى أن تكون كلّ القوى السّياسيّة مشارِكة فيه، لأنّ المسؤوليّة مشتركة، وعلى هذا الأساس كانت مبادرته؛ وهو يعمل على إنضاج الظّروف الّتي تسمح بالوصول إلى نتائج إيجابيّة”، مركّزًا على أنّ “لا مصلحة لفريقٍ على آخر من خلال هذه المبادرة، بل لقاء الجميع على التّفاهم والتّوافق”.
لودريان الّذي يُعوِّل البعض أن يحمل المفتاح السّحري للقِفل الرّئاسي، لم تكن زيارته الثّالثة ثابتة، بل أشبه بسابقاتها. إلّا أنّ فصلًا جديدًا من حراك “الخماسيّة” بدأت تلعبه قطر، الّتي لم تكن بعيدةً عن المشهد السّياسي الدّاخلي، ونُقل عنها مرارًا تأييدها لوصول قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى سدّة الرّئاسة.
والمهمّة القطريّة المستجدّة دخلت بقوّة مؤخّرًا على خطّ الاستحقاق الرّئاسي، مع الجولة “السّريّة” الّتي يجريها الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني على المسؤولين اللّبنانيّين، في محاولةٍ للوصول إلى حلٍّ أو طريقٍ يؤدّي إلى انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة. وترافق ذلك مع لائحةٍ قطريّةِ الهوى، يتمّ التّداول بها، وتضمّ أسماء أربعة مرشّحين للرّئاسة، هم المدير العام للأمن العام بالإنابة اللّواء الياس البيسري، النّائب نعمة افرام، الوزير السّابق زياد بارود، بالإضافة إلى العماد عون.
في هذا الإطار، يؤكّد هاشم أنّ “حتّى الآن، لم تتبلور صيغةٌ رئاسيّةٌ ناتجةٌ عن المهمّة القطريّة. هناك اتصالاتٌ قام بها الموفد القطري، وقد تكون بإطار جولةٍ استطلاعيّةٍ لتهيئة الظّروف لطرح أفكارٍ معيّنةٍ، من خلال ما قيل عن زيارة موفدٍ رسميٍّ لقطر في المرحلة القادمة”.
وعن إمكانيّة أن يدعم برّي وكتلة “التّنمية والتّحرير” في الفترة المقبلة، وصول قائد الجيش إلى قصر بعبدا، لا سيّما أنّ أسهمه الرّئاسيّة تَرتفع ويحظى بدعمٍ قطريٍّ، يَعتبر أنّ “هذا الأمر سابقٌ لأوانه. العماد عون من الأسماء المطروحة والمتقدّمة على غيرها. لكن حتّى اليوم، ليس هناك اسم أوحد، بل محاولة لتقريب وجهات النّظر والوصول إلى تفاهمات، من خلال المبادرات والمساعي القائمة”. ويفيد بأنّ “عند الوصول إلى طرح الأسماء واتّخاذ الموقف النّهائي، ستكون لكلّ الكتل مواقف واضحة لا لبس فيها”.
تكثر المبادرات والأسماء، والمطلوب واحد وهو انتخاب رئيسٍ إصلاحيٍّ في أسرع وقتٍ ممكنٍ، وتشكيل حكومةٍ جديدةٍ “على قدّ الحِمل”، تبدأ بتطبيق الإصلاحات المطلوبة، في محاولةٍ بالدّرجة الأولى لوقف الانحدار السّريع والمتواصل نحو القعر. فهل تُنجز قطر ما عجزت حتّى الآن فرنسا عن القيام به، أم أنّ لا رئيس للجمهوريّة في العام 2023؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |