سجناء لبنان بين الاكتظاظ وتدني الرعاية الصحية والغذاء


خاص 26 كانون الثاني, 2024

لا ترتبط مشكلة السجون في لبنان بالأزمة الاقتصادية فحسب، بل تعاني معظمها من الاكتظاظ بأعداد كبيرة من السجناء ما يفوق قدرتها الاستيعابية


كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:

تشير منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي تعنى بحقوق الإنسان، إلى تدهور أوضاع السجون بشكل خطير، لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان منذ أكثر من ثلاث سنوات. فالاكتظاظ هو القاعدة أما تدني مستوى الرعاية الصحية ونوعية الغذاء فحدّث ولا حرج.

لا ترتبط مشكلة السجون في لبنان بالأزمة الاقتصادية فحسب، بل تعاني معظم السجون المركزية كـ “رومية” و”زحلة” و”طرابلس” وسجون النساء في بعبدا وبربر خازن من اكتظاظها بأعداد كبيرة من السجناء والسجينات تفوق قدرتها الاستيعابية، فسجن رومية أكبر سجون لبنان يتسع لـ 1200 سجين، لكنّه يضم حالياً أكثر من 4 آلاف، أما الطاقة الاستيعابية لمراكز الاحتجاز في جميع أنحاء لبنان فهي 4760 لكنها تحتوي على أكثر من 8500 موقوف، وهناك 80% من السجناء موقوفون احتياطياً أي من دون محاكمات.

يشير مصدر مطلع على أوضاع السجون والسجناء في لبنان لـ “هنا لبنان” إلى “أنّ المأساة الحقيقية في قضية السجون هي الاكتظاظ الذي وصل إلى 270%، بمعنى أنّ الغرفة التي تتّسع لعشرة أشخاص يبيت فيها نحو 27 شخصاً، ناهيك عن اهتراء البنى التحتية التي تضع السجناء بظروف بيئية غير صحية، وتراجع خدمة الطبابة وتوافر الدواء والاستشفاء، وهذا ما ينذر بكارثة كبرى خاصة للسجناء الذين يعانون من أمراض مزمنة”.
لا يخفي المصدر “أن زيادة معدلات الجريمة وبطء إجراءات التحقيق والمحاكمة وعدم البت بإخلاءات السبيل يزيد الأمر سوءاً، يضاف إلى ذلك عجز أهالي السجناء (الذين قضوا محكوميتهم) عن دفع الرسوم المطلوبة للإفراج عن أبنائهم، ومنهم من يعجز عن زيارتهم إلا كلّ شهر أو شهرين بسبب كلفة النقل، ما حتّم إيجاد خدمة الـ “e-visite”، بدعمٍ من الصليب الأحمر الدولي، والتي ستمكّن السجين من التواصل مع أهله بطريقة الصوت والصورة”.
تقول “منظمة العفو الدولية”، أنّ عدد وفيات السجناء في لبنان تضاعف في العام 2022 مقارنة بالعام 2018، وفي هذا الإطار يشرح المحامي محمد صبلوح مدير عام مركز سيدار للدراسات القانونية، الوضع المأساوي الذي وصلت إليه السجون “فهي لم تعد تتسع لأعداد السجناء الكبيرة، فتحولت النظارات إلى سجون، حتى أن سجون وزارة الداخلية لم تعد تستوعب الأرقام فصار السجناء يوضعون “بالأمانة” عند الشرطة العسكرية لصالح وزارة الداخلية”، وحمّل صبلوح مشكلة اكتظاظ السجون للقضاة أنفسهم، المسؤولين عن بطء سير المحاكمات، ناهيك عن النقص في عدد القضاة وعدم قدرة هؤلاء على تحمّل تكاليف الانتقال إلى العدلية بسبب انخفاض رواتبهم ومخصصاتهم، فضلاً عن تولي بعضهم لمهام إضافية تفوق قدرتهم، لتغطية غياب قاضٍ آخر أو سفر العديد منهم إلى الخارج”.
كما يعاني الكثير من السجناء من سوء التغذية خاصة مع الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع الغذائية وعدم التزام الحكومة مالياً بدفع مستحقات الشركات المورّدة الى السجون، فقبل الأزمة كان معظم السجناء يأكلون الطعام الذي تجلبه عائلاتهم أو يشترونه من “حانوت” السجن، لكن مؤخّراً لم يعد بمقدور الأهل تزويد أبنائهم بالطعام، فزياراتهم خفّت مع غلاء البنزين وارتفاع أسعار النقل وزاد الأمر سوءاً قرار منع ذوي الموقوفين من إدخال الطعام إليهم بحجة ضبط إدخال الممنوعات، فأصبح السجين يعتمد على أكل السجن المحضّر من الحبوب ونادراً من اللحمة الحمراء أو البيضاء (مرة في الأسبوع).
الأخطر برأي صبلوح هو “الطبابة السيئة وانعدام الأطباء الاختصاصيين فالسجين وإن احتاج إلى عملية، لم تعد وزارة الداخلية تؤمن تكاليفها كما جرت العادة، بل يتحملها أهله، وهؤلاء بمعظمهم فقراء وكثيراً ما توفي سجناء بسبب تأخر العلاج أو الإهمال الطبي”.
وخلص إلى القول “لو كان أولاد المسؤولين في لبنان داخل السجون لكانت عولجت قضية السجون ليس بالترقيع كما يجري اليوم بل بتطبيق الإتفاقيات الدولية واعتبار السجن مركز إصلاح وتأهيل لا مركزاً لتخريج مجرمين”.

وفي اتصال هاتفي لـ “هنا لبنان” مع أحد السجناء يصف “عيشة السجين بالمذلّة، فرغم تعايش السجناء مع المياه الملوّثة والروائح النتنة والرطوبة، إلا أنّ تقبل الوضع الصحي داخل الزنزانات ليس بالأمر الجائز ولا يتماشى مع حقوق الإنسان، بتنا نخشى المرض وانقطاع الدواء ومن يحتاج لدخول المستشفى عليه أن يدفع بالدولار”.
وفقاً للمعايير الدولية، يجب أن “توفر إدارة السجون لكل سجين وجبة طعام على الأقل ذات قيمة غذائية كافية للحفاظ على صحته وقواه، جيدة النوعية وحسنة الإعداد والتقديم مع حصوله على مياه صالحة للشرب كلما احتاج إليها وعلى الخدمات الصحية الضرورية مجاناً ودون تمييز”.. أما سجون لبنان فبعيدة عن تطبيق تلك المعايير أسوة بكل مؤسسات الدولة التي تحتاج الى إعادة هيكلة وتنظيم بما يحاكي حقوق الإنسان ومتطلبات العيش الكريم.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us