المنطقة العازلة قيد الإنشاء في الجنوب


خاص 21 آذار, 2024

إذا انتهت حرب غزة فإنها ستفرض ترتيبات أمنية من بينها تحويل بعض مناطق الشمال المدمرة شريطاً عازلاً عن المستوطنات وإسرائيل، ومن الواضح أنّ الإسرائيليين يريدون تطبيق نموذج المنطقة العازلة في لبنان أيضاً، تحت عنوان منع “الحزب” من تنفيذ أي عملية مفاجئة في الشمال، ولو بعد حين

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

لن تنتهي الحرب في غزة إلا بترتيبات أمنية وسكانية تنسف الوضع الذي كان قائماً، والذي أتاح لـ”حماس” تنفيذ عملية 7 تشرين الأول. وتقضي هذه الترتيبات بإخلاء القطاع تماماً من المسلحين وتهجير ما يقارب نصف السكان، وتحويل بعض مناطق الشمال المدمرة شريطاً عازلاً عن المستوطنات وإسرائيل. وحتى اليوم، لا يبدو أنّ هناك قوة ستمنع بنيامين نتنياهو من تحقيق هذه الأهداف.

ومن الواضح أنّ الإسرائيليين يريدون تطبيق نموذج المنطقة العازلة في لبنان أيضاً، تحت عنوان منع “حزب الله” من تنفيذ أي عملية مفاجئة في الشمال، ولو بعد حين. وهم يفترضون أنّ تحقيق هذا الهدف سهل جداً، لأنّ ركيزته جاهزة، وهي القرار 1701 الذي يجعل المنطقة الحدودية حتى الليطاني بقعة خالية من المسلحين، ويحصر السيطرة فيها بالجيش اللبناني و”اليونيفيل”.

ففي ظل هذا القرار، بقي الجنوب هادئاً طيلة 18 عاماً. وإجمالاً، لم تكن هناك خروقات، باستثناء التحليق “المعتاد تاريخياً” للطيران الإسرائيلي. وفي العام 2022، جرى تتويج هذه التجربة الناجحة باتفاق ترسيم الحدود بحراً. ولولا اندلاع الحرب في غزة، لانطلقت المفاوضات في الخريف الفائت لترسيم الحدود البرية أيضاً، بوساطة آموس هوكشتاين.

منذ اللحظة الأولى للحرب، سعى الإسرائيليون إلى إحياء القرار 1701. وفي تقديرهم أنّ ذلك سيكفي لفك ارتباط لبنان بغزة. وهذا فحوى الرسائل التي حمّلوها للوسطاء الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين والألمان الذين يعملون على خط لبنان. لكن “حزب الله” رفض الطرح الإسرائيلي لمقتضيات داخلية وإقليمية.

فبقاء سلاحه هناك يعني أنّ إيران نفسها نشرت قواها العسكرية في محاذاة الحدود مع إسرائيل، وهذه ورقة إقليمية لا تتخلى عنها طهران مجاناً. كما أنّ وجود عناصر “الحزب” هناك ضروري ليتمكن من استكمال مهمة “المشاغلة” خلال حرب غزة. وفوق ذلك، إنّ إبقاء “الحزب” سلاحه على الحدود يمنحه القدرة على التحكم بالوضع العسكري والأمني هناك، وبطبيعة أي تسوية حدودية.

الإسرائيليون ردوا بالإصرار على إخلاء المنطقة من السلاح، بالوسائل العسكرية أو الديبلوماسية. وقدموا التسهيلات لـ”الحزب”، فعرضوا عليه تقصير مسافة التراجع عن الخط الأزرق إلى ما بين 7 كلم و10 كلم، بدلاً من الانسحاب إلى مجرى الليطاني. لكنه رفض العرض أيضاً، لأنه لن يتخلى عن هذه الورقة الثمينة. ولذلك، انكفأت الوساطات، وبدأت إسرائيل تصعيداً عسكرياً متدرجاً ومثيراً للقلق مع لبنان، من أجل تحقيق الترتيبات المطلوبة بالقوة، كما فعلت في العام 2006، عندما فرضت القرار 1701 على رغم أنّ “حزب الله” يرفضه.

في الأوساط الديبلوماسية اقتناع بأنّ إسرائيل تعمل اليوم على خطين متوازيين في غزة ولبنان لخلق منطقتين أمنيتين بالتزامن، هنا وهناك، والهدف الأمني واحد. وهي تعتمد أسلوب الاستنزاف العسكري الطويل الأمد، بهدف الإنهاك والتدمير والتهجير. ويُخشى أن ترفع هذا المستوى يوماً بعد يوم في لبنان، ما يرفع حجم الخسائر إلى حدود كارثية.

طرحُ إسرائيل هو أن يوقف “الحزب” فوراً مهمة “المشاغلة” لمصلحة “حماس”، وبعد ذلك فرض ترتيبات لإبعاده مسافة “مطمئنة” عن الحدود. ولأن هذا الحل يتعثر، فقد بدأت تنفيذ خطة تؤدي إلى ولادة المنطقة الأمنية العازلة، بشكل صامت ومتدرج. وهي إذ تتهم “حزب الله” بالإصرار على الحرب، تستفيد من هذه الذريعة لتنفيذ خطتها من خلال قصفها التدميري المنظم للقرى، ما سيجعلها غير آمنة يوماً بعد يوم، ويقود تدريجاً إلى إفراغها من السكان.

ولاحقاً، عندما تنضج الظروف لانتهاء الحرب، ستكون هناك تسوية حتمية مماثلة للقرار 1701، تجعل تلك المنطقة منزوعة السلاح، فيما سيكون على لبنان إعادة بناء القرى المهدمة وتمكين أهلها من العودة. وهذه المهمة ستكون محفوفة بالمخاطر إذا كانت للإسرائيليين نيات مبيتة بإفراغ القرى، ولو جزئياً، لتسهيل رصدها أمنياً.

وحتى اليوم، نزح نحو 80 ألف إسرائيلي من البلدات المحاذية للحدود مع لبنان. وفي المقابل نزح نحو 100 ألف جنوبي. ولكن، في الشمال الإسرائيلي، قليلة هي المنازل المهدمة بصواريخ “الحزب”، وأما في الجنوب، فتشير الإحصاءات إلى تدمير الإسرائيليين ما يقارب الـ250 منزلاً بالكامل. وإذا طالت الحرب أشهراً أخرى فسيزداد حجم الدمار والنزف السكاني، وقد يرفع الإسرائيليون درجة العنف تدريجاً ما يؤدي إلى “القضم السكاني الصامت” للقرى. ويتعرض نتنياهو لضغوط داخلية شديدة لإقامة منطقة أمنية عازلة في الجنوب اللبناني، لئلا يضطر إلى إقامتها في شمال إسرائيل. وهذا موضع إجماع لدى أركان الجيش والقوى السياسية. كما أنّ السكان الذين نزحوا من الشمال يرفضون العودة إليها ما لم ينشأ “ستاتيكو” يبعد خطر “الحزب” بشكل كامل ودائم ومضمون.

بالتأكيد، لن يستعيد الإسرائيليون صيغة “الشريط الحدودي” الذي كان قائماً قبل العام 2000. لكن مشروع المنطقة العازلة في الجنوب قطع أشواطاً، على الأرض كما في الأروقة الديبلوماسية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us