عن الدولار وميزانه المتذبذب

كتب نيكولا صبيح لـ “Ici Beyrouth“:

قد يخيّل للمتابع منذ بضعة أسابيع أنّ كفة الميزان قد اعتدلت وأن الدولار قد استقر.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف ذلك؟ كيف يستقر الدولار بينما لم يطرأ أي جديد منذ العام 2019؟! المعطيات ما زالت كما هي: حال مراوحة سياسية ولا حل في الأفق، الاقتصاد متداعٍ، لا توافق ولا اتفاق، كرسي الجمهورية ما زال فارغاً ولا يلوح أي بصيص أمل من أعلى الهرم! والأمر ذاته ينسحب على المصرف المركزي بغياب أيّ بديل مؤكد للحاكم رياض سلامة منذ تموز/يوليو، ولا حتى على مستوى أيّ من “نائبيه”، من الطائفتين الشيعية والدرزية، فمن يأتي في الأول من آب؟ وأي سيناريو أسوأ من ذلك! لبنان لن يكون حينها كالطائرة التي تحلق بدون طيار وإنما كطائرة غير صالحة للقيام بأي رحلة على الإطلاق أو بتوفير أدنى حد من الخدمات.

وتفتقر التفسيرات التي تمطر من كل حدب وصوب حول الإستقرار الظاهري للدولار، للقدرة على الإقناع. وبينما يربطه البعض بالدولار “الفريش” الذي ضخّه المغتربون وغيرهم من الزوار مؤخرًا، وتجدر الإشارة إلى أن المبالغ لم تصل إلى المستوى المسجّل في الصيف الماضي، ولم تمنع الارتفاع في العملة الخضراء والتذبذب في أعصاب بعض المضاربين. كما أن نسبة التداول في الليرة انخفضت بشكل كبير ولكنها على أي حال ليست المرة الأولى التي يمتص فيها المركزي الليرة بنهم من السوق. والآن، ماذا بعد؟

في الواقع، انطلاقاً من قاعدة العرض والطلب في المسائل التجارية، لا بد وأن يرسي الطلب على العملة الأميركية أولًا بعض التوازن. في ما يتعلق بالطلب، يمكننا أن نفترض حتى ولو لم تتوفر لدينا أحدث الأرقام، ميل الواردات لنوع من التباطؤ مع الاستهلاك الأدنى والأسعار الأقل حدة للمواد الأساسية، بدءًا من انخفاض أسعار النفط العالمية لـ 65 دولارًا للبرميل.

وهناك نوع آخر من “الطلب”.. ذلك الذي يحركه الشعور بالذعر، حيث اعتاد البعض المسارعة لتبديل أي مبلغ لديهم بالليرة اللبنانية، بالدولار تحسباً لارتفاع هذا الأخير. ولكن، اليوم في ظل عدم القدرة على التنبؤ بارتفاع أو انخفاض سعر الصرف، تمتنع هذه الشريحة عن ممارستها المعهودة. ولم توفر الحيرة المضاربين أيضاً، والذين يتوخون الحذر ويتجنبون المضاربة بسبب عدم يقينهم من الاتجاه المستقبلي للعملة.

عدا عن ذلك، يحتاج المضاربون لما يكفي من الليرات في السوق وهذا لا ينطبق على الوضع الحالي، حيث تسلّم أجهزة الصراف الآلي التابعة للمصارف الليرات بالقطارة! وبالمقابل، ينتشر الدولار في السوق، لا سيما وأن جزءًا من الرواتب بات مُدولراً، بما في ذلك دخل موظفي القطاع العام الذين يصرفون الراتب الضئيل على منصة صيرفة بهامش 30%. وتكفي بعض الملاحظة الميدانية لاستنتاج هذا الواقع حيث أن الناس في الشارع استبدلوا العبارة المتداولة منذ 3 سنوات: “هل بإمكاني الدفع بالليرة” بعبارة جديدة أكثر شيوعاً “هل بإمكاني الدفع بالدولار؟”

هل يعني ذلك أن المصرف المركزي، سيد اللعبة ومزود السيولة وبالتالي صانع السوق، قد فاز بالرهان؟ يبدو أن الحال كذلك في الوقت الحالي. ويقوم المصرف المركزي بتزويد المصارف بما يرضي العملاء، ويعتمد على الأموال التي تصل من المغتربين، ثم يشتري ويبيع الدولارات كل يوم من خلال ثلاثة أو أربعة من صرافيه (الفئة أ). كل ذلك في إطار من التكتم والسرية التامة كأي مصرف مركزي يتوخى الحفاظ على ترسانته. ثم يمتصّ الليرة: زهاء 20 تريليون في شهر واحد، أو 30٪ من الكتلة النقدية في السوق في تدخّل أكبر من السابق.

ولكن هل سيستمر هذا الاستقرار في سعر الصرف؟ كلا، لأن الميزان غير مستقر، وأي شيء كفيل بقلب إحدى كفتيه. كل ذلك رهن بتسلسل الأحداث. في لبنان، تميل الأخبار السارة لخفض سعر الصرف ثم تقلب الأخبار السيئة الوضع برمته ويرتفع السعر.. فإما بشرى وإما حسرة: بشرة انتخاب رئيس للجمهورية يشكل مصدر إلهام وثقة، أو حسرة اختيار مرشح من فلك حزب الله أو سليمان فرنجية.. أو حسرة البلبلة الأمنية، أو الفراغ على رأس المصرف المركزي أو اختيار بديل مثير للجدل للحاكم الحالي.. ثم هناك حسرة “غياب أي خبر” على الإطلاق.. الأمر الذي يعني أن عدم اليقين وردود الفعل المترافقة، ستستمر.

وبين ترقب خبر جيد أو الخوف من آخر سيئ، لا بد لنا من أن نواجه الواقع: يبدو أن البلد قد أدمن بالفعل السير بين الألغام!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar