الأزمات تلاحق اللّبنانيّين… إلى أوكرانيا!


كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:

لم تنجح السّنوات الأخيرة في طيّ صفحة الصّراع بين روسيا وأوكرانيا، الّذي اتَّخذ أشكالًا ودرجات متفاوتة الحدّة، إلى أن بدأت طبول الحرب تُقرع جديًّا في الرّبع الأخير من العام 2021، بعد حشد موسكو نحو 100 ألف عسكري قرب الحدود الأوكرانيّة. ترافقت التوتّرات المتزايدة مع بروباغاندا غربيّة ضخمة، تقودها الولايات المتّحدة الأميركيّة بشكل أساسي، تزعم بأنّ الجانب الرّوسيّ يخطّط لشنّ غزو على الأراضي الأوكرانيّة؛ وهو ما نفت موسكو صحّته مرارًا.

وسط هذه التطوّرات، وكما جرت العادة، تحوّل الكثير من اللّبنانيّين إلى محلّلين إقليميّين ودوليّين، فأطلقوا العنان لقراءاتهم ونظريّاتهم وتحليلاتهم بشأن الوضع حول أوكرانيا؛ كما انقسموا بين مؤيّد لروسيا وتحرّكاتها، وداعم لكييف والغرب من خلفها.

الحضور اللّبنانيّ في المشهد الإقليميّ، لم يقتصر على هذه التّحليلات، فعدد لا بأس منه من اللّبنانيّين يتواجدون في أوكرانيا حاليًّا للدّراسة أو العمل، وهُم على تماس مباشر مع المستجدّات الميدانيّة، الّتي أثارت قلقًا حول وضعهم. وفي 13 شباط الحالي، نصحت وزارة الخارجيّة والمغتربين، الرّعايا اللّبنانيّين الموجودين في أوكرانيا، بـ “المغادرة الطوعيّة السّريعة، إلى حين زوال التوتّر وعودة الأمور إلى طبيعتها”.

لكنّ مغادرة الأراضي الأوكرانيّة ليست بالسّهولة الّتي يتصوّرها كثيرون، فقد أوضح طالبٌ وعاملٌ لبنانيٌّ، فضّل عدم الكشف عن هويّته، في حديث لـ “هنا لبنان”، أنّ “عدّة جامعات منعت طلّابها من عدم متابعة الدّراسة حضوريًّا (لا تعتمد كلّ الجامعات نظام التعلّم عن بُعد)، وهدّدتهم بعواقب لاحقة أو حتّى بدفع غرامات، في حال عدم الحضور؛ في حين تركت جامعات أُخرى الحريّة لطلّابها”.

وأشار إلى أنّ “الّذين يتعلّمون هنا منذ سنوات، وكانت الجامعة متشدّدة بموضوع حضورهم الفعليّ، وقعوا في حيرة، فهل يُعقل أن يضيّعوا تعب خمسة أعوام على سبيل المثال وكلّ التّكاليف الّتي تكبّدوها، من أجل العودة إلى لبنان، بسبب أزمة أو حرب قد لا تحصل؟”. ولفت إلى أنّ “هناك طلّابًا لبنانيّين أرادوا العودة إلى وطنهم، وهم بمعظهم طلّاب سنة أولى ولا يعرفون جيّدًا كيف يتصرّفون لوحدهم في هكذا مواقف، ما خلق حالةً من الخوف والضّياع لديهم؛ لكنّهم غير قادرين على ذلك بسبب عدّة معوّقات”.

وفسّر الشّاب العشرينيّ المتواجد في خاركوف، أنّ “حركة الطّيران توقّفت من مطار خاركوف، وعلى الرّاغبين بالسفّر أن يتوجّهوا من المدينة إلى العاصمة كييف، الّتي تبعد نحو 6 ساعات بالقطار، ومن الصّعب على شابّات وشبّان كثيرين أن يتصرّفوا لوحدهم بهذا الإطار”. وذكر أنّ “هذا عدا عن أنّ تكلفة بطاقة السّفر (one way ticket) من أوكرانيا إلى لبنان مرتفعة إلى حدّ ما، وقد تصل إلى حدود 400 دولار، تُضاف إليها كلفة التنقّل عبر القطار بين المدن. كلّ ذلك في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة الّتي تعصف ببلدنا الأم وارتفاع سعر صرف الدولار في السّوق السّوداء، وبالتّالي يواجه الأهالي صعوبةً في تأمين هذا المبلغ لأولادهم”.

ورأى بالنّسبة للإجراءات المتّخذة من قِبل السّفارة اللّبنانيّة في أوكرانيا، أنّه “كان يجب مثلًا أن يزور مندوب من السّفارة الجامعات، فيتكلّم مع الطلّاب ويعاين أوضاعهم، ويشرح الخطوات الّتي يجب اتّخاذها في حالة الطوارئ. أمّا بالنّسبة للعمّال والمستثمرين اللّبنانيّين، الّذين بدأ عملهم يتراجع، فيجب أن يوضح لهم المعنيّون ما هي التّدابير الّتي عليهم القيام بها، والإجراءات المترتّبة في حال أقفلوا مصالحهم مرحليًّا وغادروا البلد”.

من يتابع تطوّر الأحداث بين البلدين الجارَين، والتّحذيرات الّتي تطلقها العديد من الدّول، والمعطيات الإعلاميّة الّتي تفيد بغزو روسي وشيك، سيعتقد للوهلة الأولى أنّ الخوف والقلق يسيطران على سكّان أوكرانيا، وأنّ الحركة شبه متوقّفة هناك. إلّا أنّ الشّاب المذكور أكّد أنّه “إلى حدّ اليوم، الوضع عاديّ على أرض الواقع، والنّاس تعيش بشكل طبيعيّ وتذهب إلى عملها، لكن في ساعات اللّيل، تقفل المحال باكرًا وتتراجع الحركة نسبيًّا؛ مع ملاحظة سفر نسبة من التّلاميذ المتواجدين هنا من جنسيّات غير لبنانيّة”. وأفاد بأنّ “بعض التوتّرات بدأت في المناطق البعيدة الحدوديّة، لكن إلى الآن، أوكرانيا غير متأثّرة بدرجة كبيرة”.

على صعيد متّصل، كشف أحد أبناء الجالية اللّبنانيّة، الّذي يعمل منذ سنوات في أوكرانيا، في تصريح لـ “هنا لبنان”، أنّ “15 إلى 20 بالمئة فقط من اللّبنانيّين غادروا البلاد، وأنّ ثلاثة عوامل أساسيّة تدفع بالباقين إلى التروّي في اتّخاذ خطوة مماثلة، وهي: الوضع الاقتصادي السيّء للبنانيّين في أوكرانيا، قناعة الكثير منهم بأنّ الحرب لن تحصل، وتخوّف الطلّاب من ردّة فعل جامعاتهم والتّدابير الّتي قد تتّخذها، في حال تخلّفهم عن الحضور”.

كأنّ اللّعنات والأزمات تلاحق اللّبنانيّين أينما تواجدوا، فلا ينعمون بالطّمأنينة وراحة البال إلّا لفترات وجيزة، قبل أن تداهمهم المعاناة من حيث لا يدرون؛ فينطبق عليهم المثل الشّعبي “بكلّ عرس، إلهم قرص”. والأمل هذه المرّة، أن يكون أبناء الجالية اللّبنانيّة في أوكرانيا، في منأى عن أيّ ضرر، قد تتسبّب به تطوّرات الأوضاع الميدانيّة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us