في لبنان: المريض النفسي “مجنون” و”غير مؤهل” حتى إشعار آخر!


أخبار بارزة, خاص 4 حزيران, 2022

كتبت نسرين مرعب لـ “هنا لبنان”:

“تركوها شو بدكم فيها هيدي مريضة نفسياً”.
هذه الجملة ليست غريبة، ولا صدمة. بل نسمعها مراراً، في مجتمع يضع المرض النفسي في خانة “الغنج” و “الدلال” أو حتى التسخيف!

ففي هذا المجتمع “المعلّب”، لا اعتراف، لا بالاكتئاب، ولا بحالات القلق، ولا بالوسواس القهري ولا بغيرها من الأمراض النفسية المثبتة علمياً.. فـ “النفس” في مجتمعنا لا ينتقص منها حرف علّة، وإن مسّها العلل توضع الحالة في إطار الجنون!

“ما تحكي عن حالتك قدام العالم نظرتهم بتتغير”،
عبارة سمعتها عدّة مرات، ولم أسمعها من جهلاء – للأسف – بل من أشخاص يقدّمون أنفسهم على أنّهم في خانة المثقفين والمتنورين!
هؤلاء كانوا يتربصون بي، ما أن أكتب سطراً عن الاكتئاب وحربي الدائمة معه، حتى أجدهم يقدمون لي سيلاً من النصائح، حول عدم الاعتراف بحالتي وعدم البوح بها، و و و .. وينهون النصائح المملة والفاشية نوعاً ما، بجملة “أمامك مستقبل وعليك الحفاظ على نظرة الآخرين إليكِ”.

وهنا لا بد من أن نسأل “ليش بتتغير نظرتهم”، لماذا يتقبل المجتمع مريض القلب، السكري، السرطان، ولا يتقبل المريض النفسي!
لماذا لا يتعامل المجتمع وأيّ مرض عضوي بانتقاص؟ فيما يتم التشكيك فوراً بأهلية المريض النفسي!!
لماذا في الحالة العضوية يتم تقديم الدعم، وفي الثانية يتم القمع. علماً أنّ المريض النفسي هو الأكثر حاجة للدعم وللمؤازرة وللقوة!

إحدى الصديقات التي لا تخجل بالبوح بحالتها، وتبحث عن فرصة عمل، تفاجأت بإحدى المؤسسات وهي تغلق باب التوظيف بوجهها، علماً أنّها مؤهلة للوظيفة، لتنصحها الإدارة التي اطلعت على يومياتها عبر “فيسبوك”، باللجوء إلى دكتور نفسي..
ومن العبثية، أنّ صديقتي هذه لو كانت مصابة بمرض قصور الكلى، وكتبت يومياتها، لتحوّلت إلى بطلة! حرفياً..
ولما أغلقت هذه المؤسسة بابها في وجهها.. بل ربما حصل العكس، لمنحها القوة والأمل!

صديقة أخرى، تزور الطبيب النفسي “خلسة”، دون أن يدري أحد. فتذهب إلى الجلسة وكأنّها ترتكب جريمة ما، فبيئتها حتماً ستشكك في أهليتها إن شاع خبر ذهابها إلى معالج نفسي.
يختنق صوتها وهي تقول ذلك، مستذكرة يوم صارحت والدتها بأنّها متعبة ولا بد من خضوعها للعلاج، في حينها وقع الجواب على رأسها كالصاعقة “شو بدك تجرصينا”!

بين “الجرصة” و”المعايرة”، يتعرض المريض النفسي لأقسى أنواع العنف في مجتمعاتنا.
إحدى الشابات التي صادفتها يوماً، باتت ترفض العلاج بشكل قاطع، وامتنعت عن تناول الدواء الذي وصفه لها الطبيب، فالشاب الذي تحبّه وتستعد للارتباط به، يستغل هذا الأمر في كل مشكلة تواجههما، فينعتها بـ”المريضة” و”المفصومة” في محاولة لإهانتها والتسخيف من ردود فعلها.

أما العنف الأكبر، فهو اللجوء إلى السحرة والدجالين، ووضع المرض النفسي في خانة المسّ والحسد. وتعريض المريض لمواقف تساهم في تدهور وضعه وتسبب له الكثير من الأذى..

ببساطة، أن تكون مريضاً نفسياً في مجتمعناً يعني أنّك مجرم. فالجهل الذي يحكمنا، مع ضعف التوعية، وتراجع كفاءة المؤسسات التي تتابع هذه الحالات، كلها عوامل ساهمت في تفاقم الحالات النفسية!
فحتى العلاج في لبنان لمن قرر التمرّد على نمطية المجتمع لم يعد متاحاً، فالعيادات النفسية تتقاضى مبالغ “مخيفة”، والجمعيات التي تدعم مجاناً بمعظمها ليست مؤهلة كما يجب وليست قادرة على تقديم الدعم الجدي واللازم!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us