البنزين على خطى الدّولار… والسّوق السّوداء الآمر النّاهي


أخبار بارزة, خاص 18 آب, 2022

كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:

لم تعُد سماء لبنان مساحةً حرّةً تتعانق فيها الأحلام والطّموحات والمشاريع، بل تحوّلت حلبةَ مصارعةٍ تُحلّق فيها الأسعار كافّة، دون سقفٍ أو رقيبٍ أو حسيب، فتتنافس فيما بينها حول من يَرتفع أكثر. لم يرُق لمادّة البنزين أن تبقى متفرّجةً أو متباريةً ضعيفةً، بل وَضعت الدّولار نصب عينَيها، وقرّرت أن تلحق به “عالدّعسة”، رابطةً معها مصير لبنانيّين يتحسّرون يوميًّا على وضعهم.
ممّا لا شكّ فيه أنّ العديد من أصحاب محطّات الوقود استساغوا هذه المنافسة غير الشّريفة، فباتوا يرفعون الخراطيم عندما ينخفض سعر صفيحة البنزين أو عندما يشعرون بأنّ أرباحهم مهدّدةٌ بالتّراجع، ويعاودون العمل بعد حصولهم على ما يطالبون به ويضمن استمراريّة تقديم خدماتهم. ولا نبالغ إذا قلنا إنّ بعضهم يشكّلون “مافيا”، وإنّ خطواتهم أضحت مكشوفةً لمعظم اللّبنانيّين، الّذين باتوا يعرفون أنّ سببًا رئيسيًّا لأزمة البنزين المفتعَلة أو الطّوابير، هو جشع أفراد هذه “المافيا”.
وفي مسلسل الدّولار والوقود، ونتيجةً للأزمة الماليّة النّقديّة الطّاحنة، ولارتفاع سعر صرف العملة الصّعبة في السّوق السّوداء وصعوبة الحصول عليها، تقرّر منذ مدّة تطبيق سياسة رفع الدّعم التّدريجي عن استيراد البنزين، فأصبح يُؤمَّن جزء من ثمن البضاعة المستورَدة من خلال منصّة “صيرفة” بما نسبته 85%، على أن تؤمِّن الشّركات المستورِدة للنّفط الـ15 بالمئة المتبقّية من السّوق الموازية. ومطلع الأسبوع الحالي، تبلغت الشّركات قرار تخفيض نسبة تأمين الدّولارات على سعر “صيرفة” إلى 70%، ما أدّى إلى ارتفاع سعر المادّة؛ توازيًا مع ارتفاع سعر الصّرف في السّوق السّوداء وتجاوزه عتبة الـ 32 ألف ليرة لبنانيّة.
هذا التّطور المفاجئ بتوقيته، رغم أنّه كان يُتوقّع حصوله قريبًا، خلّف قلقًا حيال الخطوات المستقبليّة الّتي قد تحدث، وتأثيراتها على سعر الوقود. فمتى تصل خطة رفع الدّعم عن استيراد البنزين، إلى آخر فصولها؟
في هذا الإطار، أشار عضو نقابة أصحاب محطّات المحروقات جورج البراكس، في حديث لـ”هنا لبنان”، إلى أنّ “هذا مسار للانسحاب نهائيًّا من تأمين الدّولارات لصالح استيراد البنزين وفق منصّة “صيرفة”، الّذي هو دعمٌ بطريقةٍ غير مباشرةٍ؛ وكان قد أُعلن منذ زمن أنّه لم يعد بالإمكان الاستمرار بسياسة الدّعم”.
وأوضح أنّ “من المتوقّع أنّه كما حصل بالنّسبة للمازوت والغاز، أن يصبح سعر البنزين مؤمّنًا بالكامل بوسائل قطاع المحروقات الخاصّة، من السّوق الحرّة”، شارحًا أنّ “حُكمًا في الأيّام المقبلة، نسبة الـ70 بالمئة المؤمّنة ستنخفض إلى 0، مقابل ارتفاع النّسبة الّتي تدفعها الشّركات من 30 إلى 100 بالمئة؛ وبالتالي سيصبح سعر البنزين بنوعَيه 95 و98 أوكتان مستندًا إلى السّوق السّوداء بنسبة 100 بالمئة”.
وعن موعد هذه الخطوة المرتقبة، لفت البراكس إلى أنّ “توقيت هذا الإجراء ما زال غير محدد، ولا نعلم ما إذا كان انخفاض أسعار النّفط في الأسواق العالميّة، ووصول سعر برميل البرنت إلى 94 دولار، قد يشجّع على اتّخاذ هذه الخطوة”.
خلال يوميَ الثّلاثاء والأربعاء الماضيَين فقط، ارتفع سعر البنزين بنوعَيه 17000 ليرة، كما زاد سعر صفيحة المازوت 26000 ليرة وقارورة الغاز 9000 ليرة. بالتّالي، كم يُتوقّع أن يصبح سعر صفيحة البنزين، في حال بات مرتبطًا بشكل كامل بسعر الصّرف؟ يُجيب عضو النّقابة بأنّ “عاملَين يدخلان في تركيب جدول أسعار المحروقات، هما سعر النّفط عالميًّا، وسعر الدّولار في لبنان. من هنا، إذا بقي سعر الصّرف على ما هو عليه اليوم بحدود 32500 ليرة، واستقرّ سعر النّفط عالميًّا، وتوازيًا اتُّخذ قرار رفع الدّعم بالكامل، عندها سيرتفع سعر الوقود بحدود 70 إلى 75 ألف ليرة”.
وعن تأثير هذا الارتفاع على محطّات المحروقات وأصحابها، فسّر أنّه “كلّما ارتفع سعر الصّفيحة، كلّما تراجع الاستهلاك وحصل نوع من التقشّف، ما سيؤدّي إلى انخفاض مبيعات المحطّات”. وتعليقًا على الـ”ميني” طوابير الّتي شهدناها في اليومين الماضيَين في بعض المناطق، أكّد البراكس أنّ “الطّوابير يحدّدها توافر كميّات البنزين لدى المحطّات، فكلّما كان عدد المحطّات الّتي تتوفّر فيها المادّة أكبر، كلّما تراجعت الطّوابير واختفت”.
وذكر أنّ “يوم الجمعة الماضي، كان هناك بعض التّقنين في توزيع البنزين على المحطّات، لأنّ هناك شركات لم تحصل على موافقاتها المسبقة لتتمكّن من بيع بضاعتها. تبعت ذلك ثلاثة أيّام عطلة، لم يكن هناك توزيع للبنزين خلالها، ما أدّى إلى تشكُّل طوابير أمام بعض المحطّات، لكنّها اختفت اليوم، بعد تسوية أوضاع العديد من الشّركات”.
وأكّد أنّ “الكثير من أصحاب المحطّات لم يعد باستطاعتهم تأمين مخزونٍ كافٍ لعدّة أيام، بسبب ارتفاع تكلفة صهريج البنزين”، متوقّعًا أنّ “الوضع سيصبح أفضل بحلول الخميس، وهذه غيمة عابرة”.
قد ينزعج البعض إذا اعتَبرنا ألّا دولة في لبنان، لكنّ الوقائع والأحداث اليوميّة تؤكّد بما لا يقبل الشّكّ، أنّ البلد محكومٌ من كارتيلات وعصابات ومافيات، ترتبط ببعضها البعض من تحت الطّاولة وتتقاسم المغانم وتتحكّم بمصير اللّبنانيّين. فأيّ دولة طبيعيّة يتمّ التّلاعب فيها بأسعار الصّرف بحسب أهواء البعض؟ وأيّ دولة محترمة لا تكفي رواتب موظّفيها لتعبئة محرّكات سيّارتهم بالوقود؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us