“بريزيدان”

لدى لبنان وفر من الرؤساء. بالمئات، لا بل بالآلاف يُعدّون. مرت خمسة أشهر إلّا ربعاً على أفول نجم قمر الزمان ولم يتوافر لبعبدا بعده “بريزيدان” عليه القدر والقيمة.

كتب عمر موراني لـ “هنا لبنان”:

نهر أحد الضباط اللصيقين بالعماد ميشال عون قريبة أحد شهداء الإطفائية بعد اطّلاعه على أسئلة مرسلة إلى الرئيس السابق، “شو جايين تحققوا مع الرئيس؟” هذا ما قاله وغضب كثيراً لأن طالبة الموعد كانت بلا تهذيب ولفظت اسم الرئيس من دون “تفخيم”. لم يكن يعلم الضابط ولم يُعلمه أحد، أنّ ألقاب الـ “فخامة” والـ “دولة” والـ “معالي” والـ “سعادة” ملغاة منذ 16 تشرين الأوّل 1997 حيث اتخذت حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري قراراً حمل الرقم 36 ألغيت بموجبه الألقاب المذكورة.
يهوى المسؤولون الألقاب لا بل يعشقونها. نائب رئيس مجلس الوزراء ميشال المر، كان يمتلئ زهواً عندما يخاطبونه بـ “دولة الرئيس” ويحرص المستشارون على تذكير الصحافيين الجدد على الأهمية القصوى للقب معلّميهم. أحد السياسيين الذي انتظر التوزير ثلاثة عقود وفُكّت عقدته بعد استعصاء تنويبه، لثلاث دورات، سمع أحد الزملاء يبلغ الأستوديو بأنّ “معالي الوزير وصل”، فطلب منه وقد فاض فرحه أن يردّد العبارة ليستلّذ ويرضي شهوته بسماع تلك الكلمة السحرية: معالي الوزير.

في بلد كلبنان يمكنك أن تصادف وزيراً كل شهر لكن كلّ يوم تصادف رجالاً متحوّلين. بين ليلة وضحاها وجد موظّفو إحدى الشركات مديرهم الطبيعي وأباهم غير البيولوجي وقد “تمشيخ” و”ريّش” و”كنفش” عليهم مغدقاً على زوجته الطالعة من طبقة “الكحيانين” لقب “الشيخة” وعلى ولي العهد “الشيخ جونيور”. وعلى مثال عيلة المشايخ تجد نماذج رائعة وبكوات بالكاد “يكاغون”.

ننتقل إلى “شابيتر” آخر.
نقلة مباركة.
رؤساء البلديات “قشة لفّة” ومن دون استثناء “ريّاساً” يتحولون و”منفّخي” سيكار. الدكتور رئيس البلدية والمحامي والتاجر والسمسار والعقيد المتقاعد يحملون الرتبة نفسها: ريّس.
أما لقب “البريزيدان” فقد أصبح مشاعاً. على المستوى الشخصي ما عرفت باللقب إلّا أيام البريزيدان شويري أكبر وسيط إعلاني في الشرق الأوسط. بعده رئيس “المجد” بريزيدان. ورئيس إتحاد رفع المخل بريزيدان. ونقيب التعتير المستدام بريزيدان، جميع رؤساء أندية كرة السلة في الدرجة الرابعة “بريزدانيي”، وقليلون يستحقون اللقب، ولا يتوسّلونه.
قاضي التحقيق في لبنان بريزيدان. المدعي العام بريزيدان. رئيس الديوان بريزيدان. رئيس الحزب بريزيدان. رئيس الرابطة بريزيدان. رئيس التعاونية بريزيدان. رئيس غرف التجارة والصناعة والسياحة والزراعة ورئيس الغرف المقفلة والمفتوحة ونقيب الباتيسري ونقيب الملبّس بقضامي كل منهم يُنادى، كلما تحرّك ظلّه، أو أطل بهاؤه وأشرق: بريزيدان.

لدى لبنان وفر من الرؤساء. بالمئات، لا بل بالآلاف يُعدّون. مرت خمسة أشهر إلّا ربعاً على أفول نجم قمر الزمان ولم يتوافر لبعبدا بعده “بريزيدان” عليه القدر والقيمة.

مواضيع مماثلة للكاتب:

كبتاغون وكوكا.. وماذا بعد؟

مفتي “الحزب” الممتاز

ميليشيات بدل الحكومات