في الأول من آب.. حكاية “بدلة” خذلها السياسيون!


يأسف العسكري القديم، على ما وصل إليه الحال، هو الذي تفصله بضع سنوات عن التقاعد، يجلس أحياناً، وينظر إلى أولاده، فيفكّر في تقديم تسريحه

كتبت نسرين مرعب لـ”هنا لبنان”:

يجلس، أكرم جانباً، هو الذي دخل إلى المؤسسة العسكرية منذ 13 عاماً.
يعود بالحديث إلى طفولته، فوالده كان معاوناً أوّل في هذه المؤسسة، و”البدلة” تعني له الكثير، فهو من ذاك الزمن، الذي كان فيه العسكري يمشي مرفوع الرأس، لا شيء يهزّ كرامته، بل أيضاً كان “محسوداً” لما تمنحه هذه المؤسسة من امتياز.

“عندما كنت مراهقاً، كنت أسرق بدلة أبي، أثناء مأذونيته، أرتديها وأنتظر اليوم الذي سأدخل فيه هذه المؤسسة، فأمتلك زيّي الخاص”، يقول أكرم.
ليضيف: “ما إن أنهيت دراستي الجامعية، حتى علمت أنّ المؤسسة العسكرية فتحت باب التطوّع، فقدمت أوراقي واجتزت الاختبارات جميعها”.
يتذكر يوم علّق أوّل رتبة له :”كنت أريد للجميع أن يراها كان إنجازاً، وحينما كان يعاتبني أصدقائي كوني لم أتابع في الهندسة المعمارية وهو الاختصاص الذي تخرّجت منه جامعياً، كنت أرد: “المؤسسة أمن وأمان، والأهم هي حلمي”.

ما يقوله أكرم ليس مبالغة، ففي ذلك الوقت، كانت المؤسسة العسكرية نعمة، إن لناحية الراتب، أو لجهة التعويضات والتقاعد، أو الامتيازات المرتبطة بالصحة والتعليم.

العسكري كان مرتاحاً”، يضحك أكرم وهو يردّدها، مضيفاً: “اليوم ننتظر المساعدات إن من دول عربية أو أجنبية، كي نسدّ قوت يومنا”.

يأسف العسكري القديم، على ما وصل إليه الحال، هو الذي تفصله بضع سنوات عن التقاعد، يجلس أحياناً، وينظر إلى أولاده، فيفكّر في تقديم تسريحه، والعودة إلى اختصاصه، أي الهندسة، غير أنّ هواجس عدّة تحول دون ذلك، أوّلها صعوبة دخول سوق العمل بعد انقطاع لأعوام كثير.
وثانيها، صورة والده، والشعور بالخذلان، ولكن في مكان ما هو خذلان وطن، لا خذلان شخصي!

في زاوية أخرى، تجلس أم رامي، وهي أرملة متقاعد في الجيش اللبناني، حينما نسأل عن راتبها التقاعدي تضحك، وتعلّق: “قروش، لا قيمة لها”.
لتضيف بسخرية: “وهلق رح يلغوا صيرفة، يعني كمل النقل بالزعرور”.
الراتب التقاعدي، وما يرافقه من امتيازات، كان يؤمن لأم رامي حياة كريمة، فكانت السند لأبنائها بعد وفاة والدهم، غير أنّ المشهد انقلب اليوم، فهي باتت تنتظر تحويلات الدولار من ولديها، بعدما قرّرا البحث عن مستقبلهما في دول الاغتراب.

“غربونا”، تقول بحسرة، مضيفة: “مش حرام العسكري يصير فيه هيك؟ بيستاهل العسكر يوصل لهون، بيستاهلوا الي ماتوا كرمال هالدولة يتغربوا ولادهم؟”.

تطرح أم رامي أسئلتها، بلوم، وعتاب وألم.. أسئلة لا أجوبة لها!

فها نحن اليوم، الأوّل من آب.. وها هم السياسيون يغرّدون يباركون يهنئون العسكر، يهنئون من ساهموا هم أولاً وأخيراً، في تحويل بدلاتهم إلى عبء بعدما كانوا يبذلون الغالي والنفيس في سبيلها وسبيل الوطن التي تمثّله!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us