طريق طهران – القدس تمرّ بعين الحلوة أيضاً


أخبار بارزة, خاص 11 أيلول, 2023
القدس

اليوم يقف مخيم عين الحلوة على مفترق طريقين: طريق الشرعية الفلسطينية التي تؤكد أنّ السلطة اللبنانية هي المرجع في معالجة أمور المخيم.. والطريق الثاني، هو الذي يمتد من طهران إلى القدس


كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

منذ 30 تموز الماضي، لا يزال مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين كالمرجل الذي يغلي. وطيلة 43 يوماً تقريباً، بدت أحداث المخيم كما لو أنها حرب تمضي جولة تلو الجولة يتخللها وقفات لإطلاق النار، لكنها سرعان ما تنتهي لتحلّ مكانها اشتباكات لا يبدو أنها تحسم الموقف. وهكذا، صار المخيم بؤرة عنف بعد أعوام من الاستقرار. فهل من نهاية للحرب في أكبر مخيمات لبنان والذي وصف بأنه عاصمة الشتات الفلسطيني في هذا البلد؟
لا بد من العودة مجدداً إلى اليوم الأول من هذه الحرب. في نهاية تموز الماضي اغتال ناشطون إسلاميون قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا اللواء محمد العرموشي “أبو أشرف”، مع عدد من مرافقيه، في كمين محكم نُصب له في موقف للسيارات في “الشارع الفوقاني” التابع للمخيم أثناء انتقاله إلى أحد مكاتبه العسكرية سيراً على الأقدام لمتابعة الوضع الأمني. ولم يكن العرموشي شخصية أمنية فلسطينية فحسب، وإنما هو شخصية قيادية في حركة “فتح”. واعتمدت الحركة عليه كي يكون رمزاً لحضورها في المخيم في مواجهة الناشطين الإسلاميين والمتشدّدين منهم. وفي سجل العرموشي صولات وجولات ضدّ هذه القوى ما جعله هدفاً لمحاولات الاغتيال أشهرها تلك التي وقعت خلال مشاركته في تشييع أحد عناصر “فتح” في المخيم يوسف جابر في 22 آب 2015، لكنه نجا منها.
ولا بد أيضاً من الإشارة إلى أن اغتيال العرموشي سبقه بيوم واحد قيام عنصر من “فتح” باستهداف أحد الناشطين الإسلاميين ويدعى محمود “أبو قتادة” الذي أصيب بجروح وقتل أحد مرافقيه ويدعى عبد فرهود.
من تسلسل الأمور يتبيّن أنّ “فتح” كانت هي المبادرة إلى إشعال الحريق. لكن ردة فعل الناشطين الإسلاميين تخطت الحدود في عمليات الثأر عندما نالت من القيادي الفتحاوي وأربعة من مرافقيه دفعة واحدة. وبعد مرور الأيام والأسابيع تبيّن أنّ المخيم دخل منذ نهاية تموز المنصرم دورة من العنف تجاوزت منطق الثأر لتصبح في دائرة تصفية الحسابات التي شرّعت الأبواب على كل الاحتمالات في لبنان وخارجه.
منذ سقوط أحد قيادييها البارزين، تصرّفت “فتح” على أساس أنها تمثل الشرعية الفلسطينية في لبنان وفي مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وعندما قرر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أول أمس السبت إجراء اتصالات لتطويق الاشتباكات في عين الحلوة رفع سماعة الهاتف ليتحدث مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله. وكذلك تحوّلت سفارة فلسطين في لبنان مقراً للقاءات والاتصالات على جميع المستويات كي تتمّ معالجة أزمة المخيم في إطار جمع كل أطياف القوى الفلسطينية وفي مقدمها حركتا “فتح” و”حماس”.
على الرغم من الجهود التي بذلتها الشرعية الفلسطينية والقوى المؤثرة في الساحة الفلسطينية، بقيَ الجمر تحت الرماد. فلماذا؟
من لديه المعرفة الوثيقة بمخيم عين الحلوة، يدرك أنّ رقعة الأرض حيث يقع المخيم لم تكن في الأصل تتجاوز الكيلومتر الواحد. وهو أُنشئ عام 1948 على يد اللجنة الدولية للصليب الأحمر كي يأوي نحو 15 ألف لاجئ من شمال فلسطين هُجِّروا على يد من أقاموا دولة إسرائيل عام 1948. لكن مع مرور الزمن اتسعت رقعة أرض المخيم على تخوم جنوب صيدا لتصبح موطناً لعشرات الآلاف من اللبنانيين والسوريين وجنسيات أخرى والذين أصبحوا من نسيج مخيم بلغ عدد سكانه بحسب بعض التقديرات نحو مئة ألف نسمة تقريباً.
عندما نتحدث عن هذا الخليط من الهويات في عين الحلوة، معنى ذلك أن المخيم لم يعد فلسطينياً فحسب، وإنما هو مخيم فلسطيني ولبناني وسوري وغير ذلك. كذلك عندما نتحدث عن السلاح الفلسطيني في المخيم، نتحدث أيضاً عن سلاح فلسطيني ولبناني وسوري وأسلحة أخرى. وتقول أوساط إعلامية على معرفة وثيقة بعين الحلوة أنّ الكلام عن الناشطين الإسلاميين يتسع ليشمل جنسيات عدة غير الفلسطينية ويؤدي إلى الصورة الكبيرة التي تمتد من لبنان إلى خارجه ولا سيما في اتجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تعتبر الدولة الإسلامية التي تحوّل فيها الإسلام من دين إلى نظام.
تدور تكهنات أنّ الناشطين الإسلاميين الذين يخوضون المواجهات ضد “فتح” يمتلكون قدرات قتالية كبيرة تسمح لهم في خوض المواجهات مع كبرى الفصائل الفلسطينية في عين الحلوة. وتبين من خلال الأسابيع الأخيرة التي شهدت المواجهات أن هذا الفريق الإسلامي يتمتع بإمدادات تسمح له بتعويض ما يفقده من ذخائر بصورة مستمرة.
لم يلجأ أحد حتى الآن إلى تسمية الناشطين الإسلاميين بأنهم فلسطينيون. والمغزى في الأمر أن الهويات الأخرى لها امتدادت من صيدا إلى طهران. ولم يسجل لـ “حزب الله” حتى الآن أنه وقف ليُدين الناشطين الإسلاميين بالاسم، بل بقيَ في العموميات داعياً إلى وقف النار في المخيم.
اليوم يقف مخيم عين الحلوة على مفترق طريقين: الأول، طريق الشرعية الفلسطينية التي تؤكد أنّ السلطة اللبنانية هي المرجع في معالجة أمور المخيم بما في ذلك بتّ أمر المتورطين في الأحداث الأخيرة. والطريق الثاني، هو الذي يمتد من طهران إلى القدس. والطريق الأخير يعني أنّ نظرية “وحدة الساحات” التي تجعل من إسلاميي الشرق الأوسط فريقاً واحداً. ولذلك، يبدو أن الحرب في عين الحلوة قد دخلت مساراً طويلاً وهي ما زالت في البداية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us