مطالبة بحلّ الدولتين وإنهاء الاحتلال… هل توجب مواجهات الجنوب قراراً دولياً جديداً؟


خاص 16 تشرين الثانى, 2023

ما يجري هو خرقٌ فاضحٌ للقرار 1701 من الجانبين، إذ يحدّد القرار منطقةً تتمتع بمظلة دولية تتواجد فيها اليونيفل وقوات الشرعية اللبنانية ويمنع وجود سلاح ومسلّحين آخرين فيها


كتب فيليب أبي عقل لـ “هنا لبنان”:

أصدرت القمة العربية الإسلامية المشتركة الطارئة في الرياض السبت الماضي 31 قراراً، دعا أبرزها إلى كسر الحصار وفرض إدخال المساعدات إلى قطاع غزة الذي يشهد حرباً إسرائيلية غير مسبوقة. وفي حين أدان البيان الختامي “العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال الاستعماري”، ورفض توصيف “هذه الحرب الانتقامية دفاعاً عن النفس أو تبريرها تحت أيّ ذريعة، داعياً جميع الدول لوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل، جدد “الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام، في أقرب وقت ممكن، تنطلق من خلاله عملية سلام ذات مصداقية على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، ضمن إطار زمني محدد وبضمانات دولية، تفضي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، والجولان السوري المحتل ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا وخراج بلدة الماري اللبنانية وتنفيذ حلّ الدولتين.
هذه الدعوة بالذات كان للبنان نصيب فيها، إذ شدد العرب على أهمية تحرير أراضٍ لبنانية في الجنوب كجزءٍ من حلّ الصراع العربي – الفلسطيني، خصوصاً أنّ جبهة لبنان فُتحت مع حرب غزة ولو أنها بقيت مضبوطة حتى الساعة، إلا أنّ شيئاً لا يضمن بقاءها كذلك، وعدم انفجارها على نطاق واسع إذا ما ارتُكب أيُّ خطأ في الحسابات.
فحينما حضر إلى بيروت كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن لشؤون الطاقة والأمن آموس هوكشتاين، حمل عرضاً لحزب الله بإعلان وقف إطلاق النار في جبهة الجنوب، إلا أن الحزب رفض ذلك لأن الخطوة تدينه كما تدين موقعه ودوره كمقاومة، وتظهره وكأنه من يطلق النار على إسرائيل ويشارك في المواجهة، وفي توسيع رقعة المعارك، خلافاً لما سبق وأبلغه الحزب للمسؤولين ومن راجعه من الخارج. لذلك طلب الرئيس نبيه بري من هوكشتاين أن يُبلغ إسرائيل ضرورة أن تعلن هي وقف إطلاق النار لأنها الجهة المعتدية. وكان قد سبق لنصرالله أن أعلن أنّ دور الحزب هو المساندة وليس المواجهة أي الرد على اعتداءات إسرائيل.
وفي هذا الإطار، تقول أوساط سياسية قريبة من الحزب، طالما أنّ حرب غزة مستمرة، سيُبقي الجبهة في حال غليان، إذ يحاول من خلالها شل ثلث قدرات الجيش الإسرائيلي البرية والجوية والعسكرية عبر إشغاله شمالاً لتخفيف الضغط عن غزة. وتستبعد أوساط معارضة أن يعلن حزب الله وقف إطلاق النار لأنه وحركة حماس والجهاد الإسلامي يعملون وفق أجندة إيرانية تتقدم على أجندة لبنان ومصالحه، وإلا لما سمح الحزب للفصائل الفلسطينية باستخدام جبهة الجنوب لإطلاق الصواريخ على إسرائيل. فأين مصلحة لبنان في ذلك؟ وهل فتح جبهة الجنوب يخدم مصالح لبنان ويساعده على حل أزمته؟
ومن جهته، يكشف قيادي سيادي أن الحزب سبق أن وافق على القرار 1701، وقبل به وتعهد بتنفيذه والالتزام بمضمونه، من خلال مواقف وزرائه في الحكومة الذين لم يسجلوا أيّ اعتراض. ويسأل القيادي عما سيكون عليه موقف لبنان في جلسة مجلس الأمن في 22 الجاري للبحث في القرار 1701، بعدما سقط القرار الدولي في ميدان الجنوب؟ وهل سيكون هناك قرار آخر وفق الفصل السابع لتطبيقه وضمان الهدوء؟
فيما تكشف أوساط دبلوماسية غربية “أنّ واشنطن تريد ضبط دور لبنان ومنع توسيع رقعة المعارك وإبقاء جبهة الجنوب هادئة. لذلك دعا قائد قوات اليونيفيل في لبنان الجنرال أرولدو لازارو أطراف الصراع إلى احترام القرار1701 وتنفيذه.
في المقابل، اعترضت أطراف سياسية محلية على إعلان نصرالله أنّ جبهة الجنوب هي جبهة مساندة، لأنّ ذلك ينهي مفاعيل القرار الدولي، ويعني في العلم العسكري استخدام الساحة لمساندة حليف في وضعية غير مريحة أو في ضيقة عسكرية مع العدو. من هنا كان ترحيب محور الممانعة بالفصائل لمساندة الحليف لإخراجه من ضيقته وهذا ما حصل.
إنّ ما يجري هو خرقٌ فاضحٌ للقرار 1701 من الجانبين، إذ يحدّد القرار منطقةً تتمتع بمظلة دولية تتواجد فيها اليونيفل وقوات الشرعية اللبنانية ويمنع وجود سلاح ومسلّحين آخرين فيها.
وفي السياق، يبدي القيادي السيادي مخاوفه بعد عودة فصائل فلسطينية إلى ميدان الجنوب من تكرار ما فعلته منذ عام 1970 حينما لجأ الفلسطينيون إلى لبنان بعد حوادث الأردن بين الجيش الأردني والمسلحين الفلسطيين. آنذاك رحبت الحكومة ومعها قسم من اللبنانيين بهم في حين عارضت جبهة الحلف الثلاثي (القوى المسيحية) دخولهم وطالبت بإعادتهم من حيث أتوا. وقد شكّل الملف موضوع خلاف ومزايدة بين اللبنانيين، انتهى بالسماح للفلسطينيين باستخدام الجنوب وتحديد منطقة لعملياتهم أطلق عليها اسم “فتح لاند” لاستعمالها بوجه إسرائيل، ومُنعت أجهزة الدولة من دخولها. وعمل المجتمع الدولي ومجلس الأمن لاحقاً على إنهاء فتح لاند وتكليف الجيش بضبط الوضع في الجنوب وتم إخراج منظمة التحرير، أي البندقية الفسطينية من لبنان إلى تونس ومن بقي منهم لجأ إلى المخيمات بحماية قوى الشرعية ومُنع تسليح المخيمات. إلا أنّ المزايدات السياسية في الداخل وانقسام اللبنانيين بين محاور الصراع العربية ساهم في تسليح الفلسطينيين
وعودتهم كحالة إلى الساحة، استخدمتها أطراف في الداخل والخارج ورقة ضغط لتعزيز موقعها في المفاوضات، ووضعت أطراف عدة محلية وإقليمية يدها على الملف، وآخرها إيران بعد خروج سوريا عسكرياً من لبنان.
وفي هذا الإطار تؤكد الأوساط الدبلوماسية الغربية أن لا عودة لنموذج “فتح لاند” ولا عودة فلسطينية مسلحة لاستخدام الجنوب لإطلاق الصواريخ. وتعتبر أنّه لولا حزب الله لما تمكنت الفصائل من الوصول إلى الجبهة ولما تجرأ أحد من هؤلاء على اجتياز حدود محافظة الجنوب.
في المقابل، تشدد أوساط فلسطينية على أن لا حلّ إلا بوقف الحرب في غزة، وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وفق القرارات الدولية. لذلك لا بدّ من تطبيق المبادرة العربية التي أعلنها الملك السعودي في القمة العربية في لبنان عام 2002 القائمة على معادلة الأرض مقابل السلام وقيام دولة فلسطين على حدود 1967 لأنه المخرج الوحيد لإنهاء الصراع. بدوره، يقول مسؤول عربي أن لا سلام في المنطقة، قبل إعلان إسرائيل قبولها بقيام دولة فلسطين على أرضها. لذلك جُمّد مسارالتطبيع، واتفاقات أبراهام إلى حين تحقيق الحل بقيام دولة فلسطين، مضيفاً أنّ ما بعد غزة ليس كما قبلها وما حصل فيها لا يسمح لأي دولة إقليمية أو خارجية أن تفاوض باسم العرب عن فلسطين إلا العرب أنفسهم. وهذا ما سيتم العمل عليه عبر خريطة الطريق ما زالت قيد الإعداد لوضع أسس قيام دولة فلسطين، على أن تشكل تلك الخطوة اللبنة الأولى للشرق الأوسط الجديد، على قاعدة صفر مشاكل من مصر حتى اليونان، ضماناً لإبقاء النفط في منطقة مستقرة وآمنة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us